الحديث الثامن والثلاثون حديث الصراط المستقيم


محمد حسين ال يعقوب

- قال الإمام أحمد رحمه الله: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَوَّارٍ أَبُو الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ - يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ - عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا، وَلَا تَتَفَرَّجُوا. وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ؛ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ. وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ".

 

الحكم على الحديث:

المسند (17634). قال الأرنؤوط رحمه الله: صحيح.

 

أهمية الحديث:

1- أهمية التربية النبوية، كيف ربى النبي أصحابه بالقصة وضرب ورسم المثال.

2- خطورة الصراط ومشقة الاستقامة عليه.

3- إحياء واعظ الله في القلب.

 

غريب الحديث

1- جنبتي: جانبي.           2- مرخاة: مسدلة.                 3- تلجه: تدخله.

4- واعظ الله: الأمر والنهي بترغيب وترهيب في قلب كل مؤمن.

 

فوائد الحديث

1- وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "إِنَّهُ لَيْسِ شَيءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إَلَّا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلَيْسَ شَيءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إَلَّا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنُهُ" (1).

 

فقد صدق ونصح صلى الله عليه وسلم، وأفاد وأجاد صلى الله عليه وسلم، وبلغ وأقام الحجة صلى الله عليه وسلم، وبين وأوضح، وعلم وفهم، ورغب وبشر، وحذر وأنذر، فعليه أفضل الصلوات وأتم التسليم.

 

2- فداه أبي وأمي ونفسي رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين في هذا الحديث أتم البيان وأكمله، ورسم لنا صورة ذهنية رائعة كاملة مكتملة الأركان كأنها حقيقة واقعة؛ من أراد سلوك الصراط المستقيم فلتكن هذه الصورة نصب عينيه طوال الوقت.

 

3- قال تعالى:

{وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِى مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِۦ ۚ} [الأنعام: 153].

سلوك الصراط والاستقامة عليه فرض واجب على كل مسلم. 

4- هذا المثال الذي ضربه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين لنا خطورة الصراط وكيفية السير عليه.

______________________

  • أخرجه البيهقي في الشعب (9891). وقال الألباني: حسن. الصحيحة (2866).

 

5- خطورة الصراط أن على جنبتيه سوران هما حدود الله:

{وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ  نَفْسَهُۥ ۚ} [الطلاق:

1]. وخطورة هذين السورين ليس فقط في حد ذاتهما، بل الخطورة تكمن أيضاً في المقاربة منهما؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كالمرْتِعِ إِلى جنب الحِمَى يوشكُ أن يقعَ فيه، وإن لكل ملك حمى، وإن حمى الله في الأرض محارمه". وتقدم في حديث الستر.

 

6- الحمد لله، من لطف الله بنا أن جعل هذين السورين بين يدي محارمه وبين يديهما الحمى، وهي المباحات، ثم المكروهات قبل المحرمات؛ لكي يتذكر من يخشى.

 

7- "أبواب مفتحة". الأبواب إلى المحرمات مفتوحة ومجالها واسع، ولكن عليها ستار، والفضول البشري يدفع إلى رفع الستار لرؤية ما خلقه، والفضول قاتل، فمن رأى شيئاً من هذه الشهوات فلا صبر له عنها، سيلج فيها ويخوض ولا عاصم، وقد نبهنا إلى هذا في حديث الستر؛ بضرورة ووجوب وجود ساتر بينك وبين المحرمات فلا تراها ولا تجذبك.

 

8- الداعي يدعو ليل نهار، ويحذر بالغدو والآصال: ادخلوا، استقيموا، لا تتعرَّجوا. إنها نداءات ثلاث للدخول والسير على الصراط، ونداء بالاستقامة والسير على الأمر والنهي دون تعرج أو التفات، ونداء بالنهي عن التعرج أو الاعوجاج، فهو الأمر بالدخول والاستقامة ودوام السير إلى النهاية وعدم الاعوجاج.

 

9- "واعظ الله في قلب كل مسلم". هو الفطرة الكامنة الكائنة في القلب التي تدفع إلى الخير وتحن إليه، وتتحرج من الشر وتنأى عنه، تلك الفطرة الطيبة إذا لم تتغير وتتحول بسبب عوامل البيئة المحيطة والنشأة والوالدين "أبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه" (1). إذا ظلت الفطرة على طهارتها ولم تتنجس فإنها تحول بين العبد وبين كثير من الشرور؛ فإن المعاصي قبيحة عند أصحاب الفطر السليمة؛ فهذا أبو بكر رضي الله عنه لم يشرب الخمر في الجاهلية، وكثير من الصحابة عافوا المعاصي، بل والشرك دون العلم بالتحريم، فهذا واعظ الله الذي يحذر الإنسان ويأبى عليه أن يقع في الخطايا والخطيئات.

 

10- الداعي كتاب الله، أهمية القرآن العظيم في حياة كل مسلم، وألا يكون لمجرد الاحتفاظ به، أو تلاوته هذرمة بين الحين والحين، بل سماع أوامره وزواجره، والنظر فيه أنه رسالة من رب العالمين تنطق بالحق كل حين، أن تتهيأ وتتأهب حين تسمع

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا}

أن يقشعر بدنك وقلبك حال الترهيب والوعيد، وأن يلين البدن والقلب حال الرجاء والوعد الجميل، وأن يزداد الحب والتأله حال آيات وصف المولى عز وجل والثناء عليه.

 

11- في سؤال الله سبحانه الهداية على الصراط المستقيم في كل صلاة بيان لعظيم الحاجة إلى هذه الهداية؛ فهذا الدعاء هو الجامع لكل مطلوب يحصل به كل منفعة، ويندفع به كل مضرة، فلهذا فرض على العبد (2).

 

12- حديث الصراط ينبغي أن يكون نصب عينك مذكراً لتستوي على الصراط وتستقيم عليه؟

 

 

اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة

______________________

  • أخرجه البخاري (1358)، ومسلم (2658).
  • مجموع الفتاوى (22/ 400 - 402).

 

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الحديث الثامن والثلاثون حديث الصراط المستقيم

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day