تأملات في اسم الله (العليم)


فريق عمل الموقع

تأملات في اسم الله (العليم)



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد أحاط الله -سبحانه وتعالى- علمًا بجميع المعلومات من ماضٍ وآتٍ، فعلم الله الأمور التي لم تقع لو قُدر لها أن تقع كيف كانت، مع أن احتمالاتها آلافًا مؤلفة، فقد علم الله -سبحانه وتعالى- الأمور الظاهرة والباطنة، والمتحركة والساكنة، الجليل منها والحقير، الكبير منها والصغير، وليس كما تقول الفلاسفة: "إنه عالم بالكليات دون الجزئيات"! بل هو -عز وجل- لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.


ويعلم -عز وجل- بسابق علمه عدد أنفاس خلقه: كم يتنفس الواحد منا في الدقيقة؟ فكم في الساعة؟ فكم في اليوم؟ فكم في السنة؟ لا يحيط العباد بذلك، ثم ينتهي ذلك مع نهاية عمره، فتتوقف رئتيه عند آخر نفس مكتوب له، ويتوقف قلبه عند آخر دقة من دقاته المقدرة له، فللإنسان أنفاس ودقات قلب معدودة يستهلكها، يهدم كل يوم جزءًا منها، وقد علم الله -عز وجل- ذلك كله قبل أن يولد الإنسان، فعلم حركاته وسكناته، مما يلتفت إليه الإنسان ويشعر به، ومما لا يشعر به؛ فأجزاء جسم الإنسان تتحرك كثيرًا جدًّا وهو لا يشعر.


علم أعمال العباد:

علِم الله -سبحانه وتعالى- أعمال العباد، وهي أضعاف ما سبق؛ إذ إن أعمال البشر تقع في كل مكان في الأرض، وفي كل زمان، سواء أكان مضى أو فيما لا لم يمض، أو فيما هو آتٍ، والله -سبحانه وتعالى- قد أحاط علمًا بذلك كله.


علم الأرزاق والآجال:

علِم الله -سبحانه وتعالى- الأرزاق والآجال، ومن هو منهم من أهل الجنة، ومن هو منهم من أهل النار، واستأثر الله -عز وجل- بمفاتح الغيب الخمس: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34].

وقد يُعلم الله -سبحانه وتعالى- مَن شاء بما شاء مِن بعض ذلك دون أن يطلعه على تفاصيل الغيب، فكما أطلع عباده على وجود أمور من الغيب تقع: كقيام القيامة، والبعث، والنشور، والجنة والنار، وأخبر على ألسنة الرسل بما هو آتٍ؛ إلا أنه لا يعلم البشر ولا حتى الرسل متى يقع ذلك؟


وقد يخبر الله -سبحانه وتعالى- عن بعض تفاصيل ذلك لبعض خلقه، كما يُطلع الملائكة ويأمرهم أن يكتبوا للجنين في بطن أمه قبل ولادته أجله ورزقه وشقي أم سعيد؟ لكن ذلك كله معلق على مشيئته، فإن شاء أمضاه، وإن شاء محاه: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39].


فمفاتح الغيب الخمس على عمومها لا يعلمها إلا الله، وهذه الآية لا تخصص، بل قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللَّهُ: لا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلاَّ اللَّهُ، وَلا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ إِلاَّ اللَّهُ، وَلا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلاَّ اللَّهُ، وَلا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَلا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ اللَّهُ» [رواه البخاري].


قال قتادة -رحمه الله-: "أشياء استأثر الله بهن، فلم يُطلع عليهن مَلَكا مقربًا، ولا نبيًّا مرسلاً: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أي سنة أو في أي شهر، أو ليل أو نهار؟ {وَيُنزلُ الْغَيْثَ} فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث، ليلاً أو نهارًا. {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ} فلا يعلم أحد ما في الأرحام، أذكر أم أنثى، أحمر أو أسود، وما هو؟ {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} أخير أم شر، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت؟ لعلك الميت غدًا، لعلك المصاب غدًا. {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض، أفي بحر أم بر، أو سهل أو جبل؟" [تفسير ابن كثير 6/355].


فهذه الخمس لا يعلمها إلا الله، وليس كما يظن البعض أن قوله -تعالى-: {إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 27]، يقتضي أن الله -عز وجل- قد يطلع بعض عباده على تفاصيل مفاتيح الغيب الخمس، فكما ذكرنا فهو وإن اطلع على تفاصيل شيء من ذلك فليس مجزومًا به، بل يمكن أن يتغير إذا أراد الله -سبحانه وتعالى-، فالكتاب الأول هو أم الكتاب، وأما الكتب الأخرى فهي التي بأيدي الملائكة.


وما أطلع الله عباده عليه فإنه قابل للتغيير، معلق على مشيئته -سبحانه وتعالى-، فالله -عز وجل- هو الذي يعلم: أينفذ هذا الأمر أم لا؟ كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول قبل يوم بدر: «هَذَا مَصْرَعُ فُلانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» [رواه مسلم]، فليس ذلك بمعارض بقول الله -عز وجل-: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين أخبر عن أماكن موتهم ووقته فإنما علق ذلك على مشيئة الله -سبحانه وتعالى-، فهذا مما شأنه التفصيل.


أما ما شأنه الإجمال فإنه يخبر بشيء مفصلاً ويُبقي جزءًا كبيرًا مجملاً غير معلوم في علم الغيب لا يعلمه إلا الله -سبحانه وتعالى-، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بموته، ثم فتح بيت المقدس، وذكر كثيرًا جدًّا من أشراط الساعة دون أن يحدد بالتفصيل متى تقع؟ إنما يذكرها إجمالاً، كما ذكر -صلى الله عليه وسلم- أخبار الدجال، ونزول عيسى ابن مريم، لكن متى يحدث ذلك؟


فالله -عز وجل- أعلى وأعلم، فلا يدري أحد شيئًا عن مفاتيح الغيب الخمسة على وجه الجزم والقطع، وإن علم شيئًا بالتفصيل فمعلق على مشيئته وإمضائه -عز وجل- له، وإذا علم شيئًا مجزومًا بوقوعه.. فنحن لا ندري مِن التفصيل ما يخرج به الأمر عن حكم الغيب، ويظل جزءًا كبيرًا منها أمرًا مجهولاً انفرد الله -عز وجل- به وحده لا شريك له.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ تأملات في اسم الله (العليم)

  • ذكرى. .

    عبد الله بن مشبب بن مسفر القحطاني

    وكان نبينا عليه الصلاة والسلام يستعيذ بهذين الأسمين: (السميع العليم) إذا قام لصلاة الليل؛ فيقول: "أعوذ بالله

    24/05/2022 508
  • التعريف باسم الله (العليم)

    فريق عمل الموقع

    العليم الذي له العلم، العالم بكل شيء، الذي لكمال علمه يعلم ما بين أيدي الخلائق وما خلفهم، ويعلم السر وأخفى، ويعلم

    11/05/2021 707
  • مقال بعنوان: الخبير

    الموسوعة العقدية – الدرر السنية

    قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} [فاطر: 31] {قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ }

    25/12/2021 800
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day