القـلوب ضعيـفة والشُبـَّه خطَّــافـة


دكتور / هيثم طلعت علي سرور

 

يقال أن الحَدث تأسره الفِكرة وتستهويه الغرائب ولا يميل للتعمق .. ويؤخذ لُبه مع أول خاطرة ويكل سريعا عن إعمال عقله وتمحيص ما يقرأ فطعام الكبار سم الصغار .

وعندما يطالع الحدث بعض الشبهات للوهلة الأولى فإنه ينكر ويغضب سريعا لكن سرعان ما يعتاد إلى أن يُدمن ويلتذ وبعدها ومع الوقت يصير قلبه كالإسفنجة يتشرب لكل شبهة لذا حذَّر السلف مِن مجالسة أهل البدع ومطالعة كتبهم ونهى السلف عن اقتراب البحر لمن لا يعرف السباحة قال أبو قلابه رحمه الله : لا تجالسوهم : أي أصحاب البدع _ ولا تخالطوهم .. فإني لا آمن أن يفسدوكم أو يلبسوا عليكم كثيرا مما تعرفون . قال ابن قدامه رحمه الله : كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع والنظر في كتبهم والاستماع الى كلامهم وقال أبو عثمان الصابوني بعد ذكر أهل البدع : ويرون صَون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرَّت فى القلوب ضرت وجرت إليها من الوساوس والخطرات الفاسده ما جرت وقال الذهبي رحمه الله فى ترجمة ابن الراوندي وكان يلازم الرافضه والملاحده .. فإذا عوتب قال : إنما أريد أن أعرف أقوالهم إلى أن صار ملحدا وحط على الدين والمله. قال الذهبي رحمه الله فى ترجمة ابن عقيل حيث نقل عنه قوله وكان أصحابنا الحنابله يريدون مني هجران جماعة من العلماء وكان ذلك يحرمني علما نافعا . فعلق الذهبي بقوله : كانوا ينهونه عن مجالسة المعتزله فيأبى حتى وقع فى حبائلهم وتجسر على تأويل النصوص نسأل الله السلامه قال سفيان الثوري رحمه الله :من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه .. لا يُلقيها فى قلوبهم أوردها الذهبى وعلق عليها بقوله: أكثر أئمة السلف على هذا التحذير يرون أن القلوب ضعيفه والشبه خطافه قال الإمام الشافعي رحمه الله :ما ناظرت أحدا علمت أنه مقيم على بدعه ..وقال الامام البيهقى معلقا : وهذا لأن المقيم على بدعته قلما يرجع بالمناظره عن بدعته وإنما كان يناظر من يرجو رجوعه إلى الحق إذا بينه له قال الامام ابن تيميه رحمه الله إن المبتدع الذي بنى مذهبه على أصل فاسد متى ذكرت له الحق الذي عندك ابتداء أخذ يعارضك فيه لما قام في نفسه من الشبهه .. فأعطه إياه وإلا فما دام معتقدا نقيض الحق لم يدخل الحق الى قلبه كاللوح الذي كتب فيه كلام باطل فامحه أولا ثم اكتب فيه الحق . ولهذا كان نهي العلماء المتواصل عن دراسة كتب الفلسفه فلا يدرسها الا من ثبت قدمه وكبر سنه ولم يُخش على مثله من حب الظهور والتعلق بمتع الدنيا وشهواتها وبيع الدين بمتاع الدنيا .. وها هو الغزالى رحمه الله وقد درس الفلسفة في شبابه وقد ابتلع الفلسفة ولم يستطع أن يتقيأها .. وتمنى أن يموت ميتة عجائز نيسابور ..صافى القلب هادىء الوجدان فأعطاه الله ذلك ومات والقران على صدره رحمه الله .. وكما قال الذهبى رحمه الله القلوب ضعيفه والشُبه خطافه .. وربما علقت شبهه بقلب إنسان فلا يجد لها ردا فتورده المهالك على أن الرد عليها يسير لمن يسره الله عليه ولكن الحدث الذي زاغت عينه وتعلق قلبه بالشبهة وإعجابه بقائلها لقلة علمه وإعجابه بنفسه وحبه للظهور وسماعه لشتم الانبياء والتعرض بالسباب لرب العباد وهو لا يتحرك له ساكن فهل يُظَّن أن هذا يوفق للحق بسهوله!!!وتتوالى الشبهات على قلب الحدث فينصرف عن الرد عليها إلى تاييدها ويصير من جند إبليس وتضيع دنياه وآخرته ..نسأل الله السلامه

{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}

(50) سورة القصص

فهل مثل هذا يعذر ؟؟؟؟

{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ }

(176) سورة الأعراف

فهذا تشبث بالباطل على وهنه ورضى بالضلال على زيغه نسأل الله السلامة من قوم استحبوا العمى على الهدى

{فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى }

(17) سورة فصلت

وفي النهـاية وكما يقول الغـزالي :- ( يُمنع مِن البحر مَن لا يعرف السباحة ) انتهى

 

  

 

  ملاحـدة الإنترنت .. هل هم كفـرة مرتـدون أم أغـرار مُتطـاولون .. تسـاؤل جـاد

 

ملاحـدة الإنترنت .. هؤلاء الشبـاب اليافع الذين أصـابهم نوع من الكفـر سببـه التأثر العـاجل والشعور الموقوت .. هـؤلاء الذيـن لم يخطـر ببالهم يـوما أن يكونوا كَفـرة بالله العظيـم .. إن الخـائن لوطـنه ولو كان في قمـة الأخلاق الكُل يبصـق عليه وهو في طريقه للمشنقـة هـذا الذي يخـون قطعة أرض فمـا بالنا بهؤلاء الذين يخونون رب الأرض ورب الكـون . هـل هؤلاء على درايـة بالمُصيبـَة التي هم فيهـا ؟ أُقسم بالله إنهـا مُصيبـة لا تعدلها مصيبـة وكما يقول الغزالي رحمه الله :- ( إننـا نتصـور بغلا يبني الأهـرام ولا نتصـور هذا الذي يفترضـه الملحدون حين ينكرون الأُلوهيـة .)

إن إلحـادهم لا يعـدو أن يكون حُكما كسـولا سطحي للغـاية سلبي للغـاية على قضيـة قوية للغـاية عميقـة للغـاية .. إن إلحـادهم هو حُكم افتراضي بلا دليل على قضية مثبتة ممتلئه بالأدلـه .

ولـو كـان الإلحـاد ينفع النـاس لمكث في الأرض لكنـه يختفي كل قرن بضعـة عقـود ولا يظهـر إلا في أوسـاط مَن كـانت شبهـاتهم نفسيـة أكثر منهـا عقليـة فتـرى أحدهم يلحد على صيـت إلحـاد بعض العلمـاء في أوربـا وآخـر يُلحـد لأنه وجد شبهة لا يستطيـع لهـا ردا وآخـر يُلحـد لأنه وجـد المسلم ينـازع المسيحي على الحق وكـأن الإلحـاد هو العسل المُصفى وهو بستـان الحلول الخـالد لا أجـد تبريرا واحـدا لمصيبـة الإلحـاد فكمـا قيـل في الأثـر :- " الثور يعرف قانيه، والحمار يعـرف صاحبه، أما هـذا فلم يعرف..." أيهـا المُلحـد العربي أجبني وبصـدق هل تعتبـر نفسـك من الكفـرة المرتدين أم من الأغـرار المُتطـاولين ؟

لا يوجد عـاقل يخرج على المـلأ أو حتى ينـدس بين الصفـوف ليقول الله ليس موجـود فالكل سيصفـه بالهطـل والبلاهــة لكن أسلوب العرض في المنتديـات وطريقة الطـرح تتيح تكرارية للشبهـات ووضع عدسـات مكبرة على شبهـات هشة مما يصيب القلـوب الضعيفـة بالوهـن والخـور وساعتهـا سيقول هذا الواهن أنا مُلحـد - هكـذا بكل سذاجة - .. غـاية ما هُنـالك أن هناك خونة مارقون استطاعوا أن يفرغـوا قلب الملحد من الحـق ويخلونه من اليقين وتركوا هذا القلب خـاويـا كالبيت الخرب بيد أن ذلك القلب المُصاب يبقى تصفي فيه الريح ولا يحتله ساكن جديد ويتحول هذا المنهزم إلى شخص خائر القُوى ضائق الصدر منتكس الفطرة ..السواد يغشى وجهه وقلبه ..وأحسب أن الدُعاة الصادقين لو تُمهد لهم الطريق فإنهم يقدرون على إستعادة هذه القلوب الفارغة وملئها بالحق مرة أُخرى لكن يبقى سؤالي وبصـدق أيهـا المُلحـد العربي هل تعتبـر نفسـك من الكفـرة المرتدين أم من الأغـرار المُتطـاولين ؟

 

 

 

 

  امتحـان سهل جـدا .. والنتيجة صفر مربع

 

قضت الحكمة الإلهية أن يُختبر الإنسان فيما هو دون ذكاؤه الفطري أو ملكاته الفكرية بكثير ومع ذلك فشل في هذا الإختبـار خلق كثير بعض النـاس دخل الإختبـار وعندما وجد صعوبة في بعض الإسئلة أنكر وجود الإختبـار بالكُليـة بعض النـاس دخل الإختبـار وعندما وجد اختلافا بين إختبـاره واختبـار الأُمم السابقة استخدم نفس حُجة فرعون وقال ..

قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى

{51} طه

.. وطبعا بعد ألف سنة سيقولون ما بال الألفية الثالثة بعض النـاس دخل الإختبـار وعندمـا وجد أجوبـة بعض الأسئلة يتنازع عليهـا أهل الأديـان لم يبحث عن الإجابة الأسلم بل بمنتهى الغرابة حَكَم بعدم وجود أسئله بعض النـاس دخل الإختبـار ووجد اسلم طريقة للهروب من التكليف والتزامات الإختبـار هو إنكـار القضية برُمتهـا بعض النـاس دخل الإختبـار واعترف بوجود الخير والشر وأن الإنسان حُـر مختـار بين أن يقبل على الخير أو يدبر عنه .. يقبل على الشر أو يدبر عنه ومع ذلك تجاهل أنه ربما كان هذا دليلا على أن استعمار الإنسـان في الأرض لحكمة ولأجل وتكليف وضُرب له موعد للقاء رهيب يُحاسب فيه على ما قدَّم وأخر !! الإختبـار سهل جـدا والإعلان عنه تَم على لسـان جميعالرسل بدون اتفاق مُسبق بينهم وكما اتفقنـا أن نتيجة الرسوب في الإختبـار هي الهلاك الأبدي

( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ )

الملك10

أسـأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفق كل باحث عن الحق بحق إلى الحق

  

 مــــــا هؤلاء النــاس !!

ما هؤلاء الناس ؟ إنهم ليسوا عرباً ولا عجماً ولا روس ولا أمريكان !! إنهم مسخ غريب الأطوار صفيق الصياح بُليت بهم هذه البلاد إثر ما صنعه الغرب بها وترك بذوره في مشاعرها وأفكارها . فهم - كما جاء في الحديث - من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا . بيد أنهم عَدو لتاريخنا وحضارتنا . وعبء على كفاحنا ونهضتنا . وعون للحاقدين على ديننا والضانين بحق الحياة له ولمن اعتنقه . إن هؤلاء الذين برزوا فجأة وملأت ضجتهم الأودية والأندية يجب أن يُمزق النقاب عن سريرتهم وأن تَعرفهم هذه الأمة على حقيقتهم حتى لا يروج لهم خداع ولا يَنطلي لهم زور . إن هؤلاء الذين يلبسون مسوح العروبة ويندسون خلال صفوف المجاهدين ويزعمون أنهم مبشِرون بعالم أفضل وفي الوقت نفسه ينسحبون من تقاليد العروبة ويهاجمون أجَّل ما عُرفت به ويبعثرون العوائق في طريق الإيمان ورسالته . إن هؤلاء الناس ينبغي أن يُماط اللثام عن وجوههم الكالحة وأن تُلقى الأضواء على وظيفتهم التي يسرها المارقون لهم ووقفوا بعيدا يرقبون نتائجها المُرة . وما نتائجها إلا الدمار المنشود لرسالة الرُقي الروحي رسالة الإسلام . لقد قرأنا ما يكتبون وسمعنا ما يقولون ولم يعوزنا ذكاء لاستبانة غاياتهم . فهم ملحدون مجاهرون بالكفر والزندقة . والغريب أن هؤلاء الناس يخاصمون الإسلام بعنف ويحاربون أمته بجبروت ويهادنون الأديان الأخرى من سماوية وأرضية كأن الإسلام هو العدو الذي كُلِّفوا باستئصاله وحده .

إن العرب مَرَّت عليهم أدهار قبل الإسلام لم يكونوا فيها شيئا مذكورا ثم جاء هذا الدين فدخلوا التاريخ به وصار صيتهم تحت رايته وصدق الله إذ يقول

( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ )

44 سورة الزخرف

... وسوف تسألون عن القيام بحقه .... إن مجيء الرسالة على أُمتنا تكليف لا تشريف

وظَّن بعض السُذج أن هذا الدين يُعطي امتيازا خاصا للعرب ويجعلهم عنصرا أرقى من سائر الأجناس وتناسوا فيما تناسوا

قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )

13 سورة الحجرات

... ماذا تبقى للملاحدة بعد أن تركوا الإسلام ؟؟؟ إن وِطابهم خالٍ وتاريخهم صفر . يا ســــادة إن خصائصنا الروحية والإجتماعية وتراثنا الماضي وامانينا المستقبلية لا يمكن البتة سلخها عن الإسلام !! يا ســــادة إنني أرى الإلحاد كعجوز شمطاء تتخفى وراء حُجُب من الأصباغ والملابس والحُلي والدلال

ولقد تتبعت حصيلة هؤلاء الملاحدة من الثروة العلمية خصوصا مـلاحدة مصر فوجدتهم يكفرون على صيت تقدم العلم في أوربا وأمريكا وقد تطور روسيا قمرا صناعيا بذل العلماء هناك في ضبطه وتجهيزه وتزويده ما يُضني العقول ومع ذلك يتفرج نفر من هؤلاء على هذه المشاهد ثم يصيح لقد كفرنا بالله

( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ )

8سورة الحـج

إن هؤلاء شاهت طباعهم ... يظنون سعة الثقافة في سرعة الإلحاد ... وحرية الفكر في هوان الإرادة واستمراء الشهوات .. والتقدم المستحب هو البُعد عن فرائض الله ... وتسمع أولئك وهم يتكلمون عن وجوب فتح حانات الخمور وتهيئة صالات العهر .. لأن موارد السياحة ستنضب إن لم يُقدم للسائحين المُسكر الذي يشربون والمرأة التي يشتهون !!!! فتجزم بأنك أمام أمساخ خلق وأنصاف او أعشار بشر ...

إننا لنتشاءم من مُستقبل أجيال فيهم أمثال هؤلاء إنهم مُخنثون انتكست فطرتهم عندما عاندوا طبائع الأشياء ... إنني أجزم بان امثال هؤلاء لا يصلحون لحمل أعباء أو مُخاصمة أعداء.

 

   

---------------

بعض الفقرات في هذا المقال مقتبسة من كتب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله

 

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ القـلوب ضعيـفة والشُبـَّه خطَّــافـة

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day