الحديث الثالث عشر (حديث الاستقامة)


محمد بن حسين آل يعقوب

الحديث الثالث عشر  (حديث الاستقامة)

 

- قال مسلم رحمه الله: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ:

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ. قَالَ: "قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ".

 

الحكم على الحديث:

صحيح مسلم (38).

 

أهمية الحديث

1- تأصيل أن البداية هي الإيمان وعلم الإيمان ورسوخ ذلك في القلب.

2- رسوخ الإيمان في القلب يثمر الاستقامة في الأقوال والأعمال والأحوال.

3- الحرص على الاستقامة وعدم التلون أو التلفت أو التفلت.

 

فوائد الحديث

1- كأني وأنا مسترسل في شرح الأربعين الربانية كأني في وسط الصحابة رضوان الله عليهم بين غاد ورائح فهذا يقول: وإن زنى وإن سرق. وهذا يقول: يريد الأجر والذكر. وهذا يقول: أتشبث به. وهذا وهذا، رضي الله عنكم يا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ورفع في الجنة درجاتكم، وجزاكم عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. 

هنا يقول الصحابي رضي الله عنه: قل لي في الإسلام قولاً. ومن يقدر على هذا إلا من آتاه الله جوامع الكلم، وعلمه الله الكتاب والحكمة، وكان فضل الله عليه عظيماً؟ عليه صلوات الله وتسليماته وبركاته.

2- وسؤال الصحابي رضي الله عنه: قل لي في الإسلام قولاً. كأنه أيضاً مستشف من قول الصحابي في الحديث السابق: إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ.

فجاء يطلب إجابة شافية كافية قاطعة حاسمة لا يحتاج بعدها إلى استفسار. 

3- وتأتي الإجابة الشافية الكافية: "قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ"

قل: إنه الأمر بالنطق والقول، الأمر بالاعتقاد واليقين.

القول قولان:

قول القلب: وهو نيته واعتقاده وعزمه ويقينه.

وقول اللسان: وهو النطق والإفصاح والترديد.

والعبد مأمور أن يقول دوماً: ربي الله - آمنت بالله - لا إله إلا الله. يردها ويكررها لكي تتقرر في نفسه وينطق بها قلبه، وكم قد جاء في القرآن ما يلزم ذلك في إجابته.

قال تعالى:

{أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ }

[النمل: 60].

وقال تعالى: {أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِى حَكَمًا} [الأنعام: 114].

وقال تعالى: {مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَآءٍ ۖ } [القصص: 71].

وقال تعالى: {قُلْ مَنۢ بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍۢ} [المؤمنون: 88].

إلى آخر تلك الآيات البينات التي تدفع إلى النطق فوراً بـ "لا إله إلا الله".

ومع شديد الأسف فإن كثيراً من المسلمين يغفل عن إجابة القرآن حين يسأل مثل هذه السؤالات أثناء تلاوة القرآن.

 وحضور القلب والتفاعل مع القرآن يجعل الإنسان في حال أن الله يخاطبه.

فحين يسمع أو يقرأ: {أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ } [النمل: 60]

فإنه يسارع إلى النطق فوراً بحزم وجزم: لا إله إلا الله.

{فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [هود: 14]. نعم ربنا أسلمنا.

{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122]. لا أحد.

{فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن]. ولا بشيء من آلائك يا رب نكذب.

وهكذا ينطق بها بلسان وجنان ثابت واعتقاد راسخ، فيكون تفاعله مع القرآن حقيقياً وكأن القرآن يخاطبه، فهو يعيش معه، فيحيا قلبه به.

4- وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ: هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ" (1).

5- بل إنه من الفضل العظيم أن رتب الله على هذين الأمرين؛ الإيمان والاستقامة أعظم الأجور على الإطلاق؛ قال تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَٰمُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْآخِرَةِ ۖ  وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِىٓ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍۢ رَّحِيمٍۢ} [فصلت: 30- 32]. 

6- "فَاسْتَقِمْ": من أصول الوصول إلى الله تعالى؛ الانسياب الموزون وليد المركز الثابت.

فلا بد من ثبات قبل الانطلاق: "قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ". الانطلاق عن عقيدة ويقين يورث ثباتاً واستقامة.

7- "فَاسْتَقِمْ". استقم فلا تلتفت، استقم فلا تنحرف، استقم فلا تعوج، استقم فلا تتلون، وهكذا تجمع الاستقامة الدين كله كل أعمال الإيمان والإسلام.

8- الاستقامة حقيقتها السداد؛ قال صلى الله عليه وسلم: "سَدِّدُوا وَقَارِبُوا" (2) واذكر بالسداد سدادك السهم؛ فالاستقامة السداد والتصويب والتسديد وعدم التلون أو التلفت أو تغيير الفكر والمنهج؛ قال عمر رضي الله عنه: استقاموا والله بطاعته، ولم يروغوا روغان الثعلب (3).

9- الاستقامة هي السير على الصراط المستقيم بغير عوج والحذر ممن يبغونها عوجاً، ثم الاستقامة على الصراط تقتضي الثبات على هذه الاستقامة والمداومة عليها والتمسك حتى الممات على استقامة بثبات.

10- "قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ". منهج حياة دائم، فهو في كل الأمور وفي كل المواقف تثبيت العقيدة أولاً، فالانطلاق بالاستقامة على مؤشر تلك العقيدة.

 

اللهم بك آمنا فارزقنا الاستقامة والاستمساك بها حتى نلقاك

 

المراجع

  1. أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134).
  2. أخرجه البخاري (5673)، ومسلم (2816/ 76).
  3. أخرجه ابن المبارك في الزهد (325)، وأحمد في الزهد (598)، وابن جرير في تفسيره 21/ 465.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الحديث الثالث عشر (حديث الاستقامة)

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day