الحديث التاسع (حديث أحباب الله)


محمد بن حسين آل يعقوب

الحديث التاسع (حديث أحباب الله)


- قال مسلم رحمه الله: حدثنا حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ - وَاللَّفْظُ لِإِسْحَقَ. قَالَ عَبَّاسٌ: حَدَّثَنَا. وقَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا - أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ، حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلِهِ فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ:

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ. فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ: أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ، وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ، فَقَالَ: اسْكُتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ، الْغَنِيَّ، الْخَفِيَّ".

الحكم على الحديث:

صحيح مسلم (2965).

أهمية الحديث

1- لمعرفة بعض الخصال الموجبة لمحبة الله لعبده.

2- لبيان المنهج الرباني في الفتن.

3- إيراد صورة مشرقة لبعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ومعرفة قدرهم ومنزلتهم.

فوائد الحديث

1- سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من العشرة المبشرين بالجنة، ومناقبه كثيرة؛

قال صلى الله عليه وسلم:

"هَذَا خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ" (1).

وقال علي رضي الله عنه: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد غير سعد بن مالك، فإنه جعل يقول له يوم أحد:

"ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي" (2).

 وكان رضي الله عنه مستجاب الدعوة؛ قال صلى الله عليه وسلم:

"اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لَهُ إِذَا دَعَاكَ" يعني سعداً (3).

2- أضف إلى هؤلاء أنه رضي الله عنه كان حاد البصيرة ربانياً صاحب حال وتعلق بالآخرة؛ انظر بمجرد أن رأى الراكب قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب.

3- في قوله رضي الله عنه: اسكت. منهج رباني في إسكات من يريد إشغالك عن الآخرة، منهج في عدم سماع من يريد أن يفتنك عن فقهك، منهج في إسكات من يريد أن يغير موقفك الحق ويلبس عليك ويثير عليك شبهات الفتن.

4-

قوله صلى الله عليه وسلم:

"إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ، الْغَنِيَّ، الْخَفِيَّ".

هذه من المتلازمات الخطيرة التي قلما تجتمع لمؤمن إلا لعباد الله المخلصين؛ التقوى والغنى والخفاء، فاللهم اجمع لنا ذلك.

قال الترمذي: كان سعد من بني زهرة، وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم من بني زهرة؛ لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا خالي". 

6- الأتقياء أحباب الله، والتقوى أن تجعل بينك وبين كل ما حرمه الله سترة من الحلال تقيك منه.

7- "الْغَنِيَّ، الْخَفِيَّ". الغني مع التقوى والخفاء مطال عزيزة؛ فإن الغني أحرى بالظهور والشهرة، إلا إن كان المقصود غني القلب، ولعله هو؛ فإن غني القلب بالله لا يتطلع إلى ما سوى الله، ولا بد للغني بالله من الخفاء وعدم الظهور وكراهية الشهرة. 

8- اعتزال الفتنة منهج رباني أصيل؛ قال صلى الله عليه وسلم: "وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ كَذَلِكَ" (4).

9- موقف سيدنا سعد رضي الله عنه في الفتنة التي جرت بين الصحابة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه موقف يحسب له، وهو الذي يحكيه هذا الحديث، وقال لمن سأله عن سبب اعتزاله: مثلي ومثل أصحابي كمثل قوم كانوا في سفر، فأظلتهم سحابة سوداء، فمن قائل: نأخذ هكذا. ومن قائل نأخذ هكذا.أما نحن فقلنا: نقف حتى تنكشف. فإذا انكشفت كنا على العهد الأول.

 وهو موقف المدرسة الربانية دوماً في فتن هذه الأيام.

10- "العبدَ التقي": علامة التقوى في العبد ثلاثة:

1- أن تكسر النفس كما يكسرها المرض.

2- أن تصرفها عن الشهوات كما يصرف عنها المرض.

3- أن ترد النظر إلى الدنيا من الوهم إلى الحق.

11- "الغني": الغني المقصود هو الغني بالله لا الغني بالأعراض الزائلة الزائفة المسترجعة؛

قال تعالى:

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ ۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ}

[فاطر: 15].

فأشار سيدنا سعد لابنه أن الغني ليس بهذا الملك المتنازع عليه، إنما الغنى غنى القلب بالملك الحق.

12- "الخفي":

قال صلى الله عليه وسلم: "

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْأَبْرَارَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَخْفِيَاءَ الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُدْعَوْا وَلَمْ يُعْرَفُوا قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ" (5).

قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: ما صدق الله عبد طلب الشهرة.

13- غنى النفس عزة؛ عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس" (6).

14- النفس إذا استغنت بما أفيض عليها من مواهب الرب وعطاياه السنية خلع عليها من الطمأنينة والسكينة والرضا والإخبات، فأدت الحقوق سماحة لا كظما بانشراح ورضا ومبادرة.

 

اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين الأتقياء الأخفياء ورضنا بما يرضيك


المراجع

  1. أخرجه الترمذي (3752). وقال الألباني. صحيح. صحيح الترمذي (2951).
  2. أخرجه البخاري (2905)، ومسلم (2411).
  3. أخرجه ابن حبان (6990)، والحاكم 3/ 570. وقال الأرنؤوط: صحيح.
  4. أخرجه البخاري (3606)، ومسلم (1847/ 51).
  5. أخرجه الحاكم 1/ 44. وصححه الحاكم والذهبي.
  6. أخرجه الطبراني في الأوسط (4278)، والحاكم 4/ 360، وأبو نعيم في الحلية 3/ 253، والبيهقي في الشعب (10058)، والقضاعي في مسند الشهاب (151). وقال الألباني: حسن. الصحيحة (831).

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الحديث التاسع (حديث أحباب الله)

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day