شبهة المكان والجهة


أبو رملة محمد المنصور

شبهة المكان والجهة

لم يزل ديدن المبتدعة ومرضى التأويل إذا دعوا إلى الإيمان بصفة الله العلي وإثبات علوه على خلقه واستوائه على عرشه على الوجه الذي يليق بجلاله أن يقولوا أثبتم له الجهة والمكان ! وجوابنا عنهم بإيجاز :

1.  إن لفظ الجهة والمكان لم يردا في الكتاب والسنة ولا في أقوال سلف الأمة بنفي ولا إثبات . فنحن نتحرج من إطلاق هذه الألفاظ على الله تعالى نفيا أو إثباتا .[1]

2.  وهذه ألفاظ مجملة قد يُقصد بها معان صحيحة أو معان باطلة . فنحتاج أن تبينوا لنا مقصودكم بالجهة والمكان . فإن قصدتم بالجهة جهة العلو قلنا لكم هي ثابتة لله . وإن أردتم بالمكان ما فوق العرش قلنا لكم هو أثبته لنفسه كذلك . وأما إن أردتم بهذين اللفظين ما سوى ذلك فهذا باطل ونحن لا نقول به إطلاقا .

3.  إن لازم الحق حق ولا غضاضة في ذلك . فإنْ لزم من تصديق الله ورسوله إثبات الجهة والمكان فعقولكم ليست هي الحَكَم في المسألة وإنما الفيصل ما قاله الله ورسوله .[2]

4.  وهم ينزهون الله عن الجهة والمكان – وإن كانت الجهة جهة العلو والمكان فوق العرش – لأن الجهة والمكان يقتضيان عندهم التشبيه ، ثم هم يقولون إنه في كل مكان ! فأي تناقض أشد من هذا ؟ ومن أولى بوصف الضلال منهم لو كانوا يعلمون ؟.

 

قال الحافظ ابن قيم الجوزية رحمه الله في نونيته :

والله أكـــبر ظـاهر مــا فــوقـه   *     شيء وشأن الله أعظم شــان

والله أكبر عـرشه وسـع السما   *  والأرض والكرسي ذا الأركان

وكذلك الكرسي قد وسع الطبا * ق السبع والأرضين بالبرهـان

والله فوق العرش والكرسي لا   *    تخفى عليه خواطـر الإنسـان

لا تحصروه في مكـان إذ تقــــو   *     لوا : ربنا حقـا بكـل مكان

نزهتموه بـجهلكم عـن عرشه   *   وحـصرتمــــوه في مكـان ثان[3]

 

 

-------------------------------------

[1] ولذلك نقول إن الله تعالى حكيم ولا نقول له عاقل ، ونقول إن إبراهيم خليل الله ولا نقول صديقه ، ونقول له عرش ولا نقول له سرير وإن كان المعنى في كل ذلك واحدا، لكنا نتأدب مع الله جل في علاه فلا نسميه ولا نصفه إلا بما سمى ووصف به نفسه سبحانه.

[2] قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر المالكي : وأما احتجاجهم (بأنه) لو كان في مكان لأشبه المخلوقات لأن ما أحاطت به الأمكنة واحتوته مخلوق فشيء لا يلزم ، ولا معنى له ، لأنه عز وجل ليس كمثله شيء من خلقه ، ولا يقاس بشيء من بريته ، لا يدرك بقياس ، ولا يقاس بالناس ، لاإله إلا هو ... وقد قال المسلمون وكل ذي عقل : إنه لا يُعقل كائن لا في مكان ما ، وما ليس في مكان فهو عدم . وقد صح في المعقول وثبت بالواضح من الدليل أنه كان في الأزل لا في مكان ، وليس بمعدوم . فكيف يقاس على شيء من خلقه ؟ أو يجرى بينه وبينهم تمثيل أو تشبيه ؟ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا . التمهيد 7/135-136. وراجع أيضا: الدين الخالص للسيد محمد صديق حسن القنوجي، دار المدني، جدة، ط. الثانية، 1426هـ/2005م (1/108).

[3] النونية مع شرحها توضيح المقاصد 2/446-447.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ شبهة المكان والجهة

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day