دعوة إلى التّفكّر


فريق عمل الموقع

المقال مترجم الى : English Deutsch

 

لو ادّعى أحدهم بأن الصورة على شاشة التلفزيون لم تتكون عبر الإشارة القادمة من الهوائي وإنما تكوّنت بفعل الموجات الكهرومغناطيسية الموجودة في الجو والتي دخلت التلفزيون مباشرة، ولو ادعى أيضا أن جهاز التلفزيون لم يتم صنعه في معمل وإنما تكون من تجمع الذرات والجزيئات الموجودة في البيت ومن تلقاء نفسه، ماذا سيكون تعليقكم أو كيف سيكون تفكيركم حيال هذا الادعاء؟

 

للوهلة الأولى سوف تظنون أن هذا الشخص يمزح، ولن تأخذوا كلامه مأخذ الجد، أما إذا وجدتموه مصرا على رأيه فعندئذ ستقررون حتما أن هذا الشخص قد فقد مداركه العقلية لأنّ حديثه وادعاءه يدور حول إنتاج صناعي دقيق، فالتلفزيون جهاز مصنوع لاستقبال البث التلفزيوني، ومحطات البث التلفزيوني تنشأ كي تعمل على بث الإشارات التي تستطيع أجهزة التلفزيون استقبالها، وباختصار فإن التلفزيون ومحطات البث والروابط التي تربط بينهما تشكل أجزاء لمنظومة معقدة هي نتاج لتصميم راق، ولا مجال فيها للصدفة أبدا.

 

أي أن الذرات تجمّعت فيما بينها بالصدفة كي تكون الروائح المختلفة في هذا العالم، وبالصدفة أيضا استطاعت الذرات نفسها أن تتجمع لتكون عضوا جسميا يدعى الأنف والذي يستطيع تحسس هذه الجزيئات ومعرفة هويتها الكيمياوية، وهذا يعني الانعدام وجود أي تصميم أو تخطيط أو تدخل لعقل ما في هندسة هذا الحدث.

 

وأصحاب نظرية التطور يدعون أن كل شيء حدث بالصدفة و بطريقة لا شعورية عبر أحداث عشوائية خلال بلايين السنين، وبذلك تشكل العالم الذي نحيا فيه، هذا العالم الذي يتميز بالتناسق والتكامل والانسجام الخارق، والإنسان العاقل يستطيع أن يصل إلى بطلان هذه المزاعم دون عنت كبير، وسيتبين للقارئ مدى ضحالة هذا الإدعاءعند إطلاعه على المعلومات العلمية في الصفحات القادمة من هذا الكتاب، ولا شك أن نظام التحسس الموجود في الأنف قد خلق كي يؤدي وظيفة الشم، حتى يسهل تمييز الووائح بعضها من بعض، وهو يمثل دليلا على عظمة الله عز وجل الذي خلق هذا النظام وخلق الأشياء كلها.

 

وكل معلومة نطلع عليها من خلال هذا الكتاب هي إثبات لعظمة التصميم الإلهي والهندسة الإلهية الخارقة في خلق الأشياء. يقول الحق سبحانه وتعالى مصورا لنا هذا الكمال والتناسق في كل صغيرة وكبيرة من هذا العالم:

(ثُمّ ارجِع البَصَرَ كَرّتَينِ يَنقَلِب إِليكَ البَصَرُ وَهوَ حَسِيرٌ، وَلَقَد زَيَنَّا السّمَاءَ الدّنيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلنَاهَا رُجُومًا لِلشّيَاطِين وَأَعتَدنَا لَهُم عَذَابَ السّعِير) سورة الملك – الآية 3،4 .

 

 

نظريات التحسّس الشّمي

نستيقظ من نومنا صباحا عند إحساسنا بالروائح المنبعثة من المطبخ، وعندما نقول "ما أطيب رائحة الشطيرة المحمّصة"، فإننا لا نشعر بالفعاليات الحيوية المعقدة التي تجري في أنوفنا، ولكن ما الذي يحدث في تلك الأثناء داخل خلايا أنوفنا؟

 

يحاول العلماء منذ فترة طويلة معرفة الجواب على السؤال السابق، ولكنهم لم يتوصلوا إلى حدّ الآن إلى معرفة تامة بكيفية تمييز الخلايا الشمية لجزيئات الروائح المختلفة، وكل ما اكتشف علميا لايعدو كونه نظرية تتحسس خطواتها نحو اليقين، ويمكن أن نقول بأن حاسة الشم هي من الحواس التي مازال العلم لم يكتشف بعد أسرارها بشكل كامل .

ومن أهم النظريات العلمية المقبولة في هذا المجال حاليا نظرية تدعى " نظرية ستيريك"، وأول من طرحها هو العالم ر.و.مونكريف، وتتبنى النظرية فكرة كون جزيئات الروائح ذات أشكال وأحجام متباينة، وتستطيع هذه الجزيئات أن تلتصق بالمستقبلات الخاصة بها والموجودة في المنطقة الشمية، والعلاقة بين هذه الجزيئات وتلك المستقبلات كالعلاقة بين القفل والمفتاح المناسب له، فمثلما لكل قفل مفتاح خاص يستطيع فتحه، فإن كل مستقبلة شمية لاتنفعل أو لا تتأثر إلا بالجزيئة التي تستطيع أن تنشطها.

 

وقام العالم جون آمور بتطوير هذه النظرية بأن قسم الروائح إلى سبعة أصناف رئيسية وهي (الأثير والكافور والمسك والزهر والنعناع والرائحة الحادة ورائحة العفونة )، وادّعى بأن جميع الروائح في الطبيعة ماهي إلا خليط بنسب مختلفة من هذه الروائح السبع .

 

وأتى عالم آخر وهو لوقا تورين بنظرية أخرى وهي "نظرية التأثير الاهتزازي"، وحسب هذه النظرية تسلك المستقبلات الشمية سلوك الـ" سبكتروسكوب " أو سلوك الجهاز الذي يستخدم في دراسة الاهتزازات، أي أن هذه المستقبلات الشمية تستطيع تمييز الحركة الاهتزازية لجزيئات الروائح، ومن هنا يمكن استنتاج أن هذه المستقبلات مصمّمة كي تستطيع معرفة موجات تذبذب جزيئات الروائح، أي أن كل مستقبلة تستطيع معرفة موجة ذات تذبذب معين فقط، ويمكن تشبيه هذه الحالة بحالة خلايا شبكية العين التي خلقت على شكل مجاميع كل مجموعة تستطيع تمييز موجة ذات تردد معين من الضوء.

 

ويقول تورين بأن الأصل في تمييز الرائحة هو حدوث مجموعة من العمليات المعقدة والتي تعتمد على انتقال الإلكترونات بين الجزيئات . ومن النظريات الأخرى في هذا المجال نذكر "مسامات الانتشار" التي طرحها العالمان ديفيس وتايلور، ونظرية " الاهتزاز الجزيئي " للعالم دايسون، ونظرية " تأثير بييزو" للعالم روزنبرغ .

 

وخلاصة القول، إن الآراء والنظريات العلمية لا تزال متضاربة فيما يخص العلاقة التي تربط جزيئات الروائح بالمستقبلات الشمسية. وبعبارة أخرى ما تزال هناك مراحل مجهولة علميا فيما يتعلق بما يجري في المستقبلات الشمية عند إحساسنا بالروائح. وهناك الكثير من الاحتمالات العلمية المطروحة من قبل العلماء لتفسير حدوثها. وقد تمّ تناول النظرية الأقرب والأصوب علميا على صفحات هذا الكتاب في تفسير كيفية حدوث حاسة الشم.

 

ولحسن الحظ تقدم العلم كثيرا في مجال إجراء البحوث التجريبية المختبرية، وذلك يرجع إلى تطور تقنية الأجهزة المختبرية. ولكن لا يزال هناك بعض المجهول في مراحل حاسة الشم وهو يحتاج إلى كشف أسراراه. وبالرغم من التقدم المذهل في أساليب البحث العلمي إلاّ أنّ ثمة صعوبات لم تذلل إلى حد الآن وهذا يدل على الإعجاز الالهي في خلق الأشياء والروعة في التصوير الرباني للمخلوقات. وكلما حقق العلم خطوة نجاح في كشف خفايا حواس الانسان ظهرت الحقائق بصورة أوضح، فأعضاء حواس الانسان نتاج تصميم هندسي خارق، وقد صممت كي تؤدي مهامها بدقة فائقة لخدمة حياة الانسان. وهذا التصميم الخارق يعكس مدى سطحية الفكرة التي تقول بأن "الحياة نشأت نتيجة المصادفات "، هذه الفكرة التي تمثل الحجر الأساس لنظرية التطور.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ دعوة إلى التّفكّر

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day