المسالك التربوية للفطرية

المسالك التربوية للفطرية


الشيخ/ فريد الأنصاري

المقال مترجم الى : English

المسالك التربوية للفطرية فثلاثة، وهي:

مجالس القرآن لتلقِّي حقائق الإيمان، والتخلق بمقتضياتها.
بلاغ رسالات الله بدعوة الناس إليه.
رباطات الفطرية، بما تتضمنه من صلوات وأوراد معنوية؛  للتغذية الفردية.([1])

وبيان ذلك هو كما يلي:

الْمَسَالِكُ التربويةُ للفِطْرِيَّةِ

الْمَسَالِكُ التربويةُ لتجديدِ بناءِ الفِطْرَةِ، هي: مجموعة من المسالك التعبدية التي تقود العبد إلى الله، فَتُقَوِّمُ مَا شَاهَ من أخلاقه وطباعه، وتُصلح ما فسد من مزاجه وأفكاره؛ ليستقيم على خالص فطرته، وصفاء سريرته، عبداً خالصاً لله، ثم ترتقي به عبر مدارج الربانية؛ إلى أن يتخلَّق بِمَقَامِ الصِّدِّيقِيَّةِ – إن شاء الله - ويتَحَقَّقَ بِه.


وهي ثلاثة مسالك، نوردها كما يلي:

المسلك الأول: الدخول في مجالس القرآن

وهي مجالس تربوية لِتَلَقِّي آيات القرآن، والتخلق بأخلاقها وبحقائقها الإيمانية، والتحقق بها، تعلما وتعليما، وتدبراً ومدارسةً. وهي تقوم على وظائف النبوة الثلاث، التي هي:
التلاوة بمنهج التلقي
التزكية بمنهج التدبر
تعليم الكتاب والحكمة بمنهج التدارس([2]).
ويستعان على إعداد القلب وتهيئته للتلقي بقيام الليل، ولك أن تختار لنفسك ليلة – على حسب ظروف عملك - تقوم فيها بنحو مائة آية من القرآن([3])

كما يحسن أن تكون سورةُ الفرقان خاصة، مما يُبدأ بتعلمه من القرآن الكريم، حفظاً ومدارسةً وتدبراً؛ لأنها باب عظيم من أبواب القرآن، ومدخل فسيح من مداخله الكبرى. مَنْ تَخَلَّقَ بحقائقها الإيمانية، وتحقق بمنازلها الربانية؛ نال من كنوزه الوفيرة فضلا عظيما! إذ فيها من الأسرار العَجَبُ العُجَابُ، عيونا تتدفق بالأنوار واللطائف والبركات، من بدايتها إلى نهايتها؛ بما يكفي السالكَ ويُمَكِّنُهُ - بعد تخلقه بأخلاقها وتحققه بمنازلها – أن يلج إلى مسالك القرآن جميعها! ويكون من (عباد الرحمن) حقيقةً!([4])

ويلحق بهذا المسلك فرع أصيل، وهو مجالس قرآنية لتخريج الدعاة القائمين على مجالس القرآن في الناس، والمؤطرين لها. يعتمدون فيه برنامجا تربويا خاصا، منتقى من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو:

- برنامج الربانية لتخريج الدعاة

إذ الربانية: هي مرتبة الإمامة في مجاهدة النفس بالقرآن، على الالتزام بحقائقه الإيمانية، والتخلق بِحِكْمَتِهِ الرحمانية؛ إخلاصاً للهِ أولاً؛ حتى تفنى في دعوتها عن كل حظوظها، فلا يقوم شيء منها إلا لله وبه! ثم شهادةً بذلك على الناس، تربيةً ودعوةً، ثم صبراً واحتساباً.

والربانيون هم الأمناء على هذا المنهاج الدعوي، والقائمون به في المجتمع، والحاملون رسالته، تربيةً ودعوةً، على ما قرره القرآن الكريم في غير ما آية، من مثل

قوله تعالى: (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ.)

(آل عمران:79)

. وقوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً)

(المائدة:44).

وكذا قوله سبحانه: (لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)

(المائدة: 63).

وقد أورد الإمام البخاري - رحمه الله - في صحيحه قولاً تفسيريا لابنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: ("كُونُوا رَبَّانِيِّينَ": حُلَمَاءَ فُقَهَاءَ). وقال الإمام البخاري بعد ذلك شارحا: (وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ: الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ.)

([5]).

ومن هنا فالأمة في حاجة ماسة إلى تخريج طائفة عريضة من هذه النماذج الدعوية، وبثهم في كل منطقة وقطاع؛ للقيام بدور تجديد الدين، على موازين العلم والحكمة([6]).

- المسلك الثاني: بلاغ الرسالات.

وهو راجع إلى واجب الالتزام الدعوي للإنسان المسلم. وذلك لِمَا تعلق به من أهم صفات ما انتسب إليه من الإسلام: "الرسالية". قال - صلى الله عليه وسلم - في أمر مطلق لكل الأمة:

(بَلِّغُوا عني و لو آيةً!)( (فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ!)

ومن هنا شهادة الله بالخيرية لهذه الأمة،

في قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ)

(آل عمران:110).

إنها صفة عامة في كل من أسلم لله الواحد القهار، كل ينال منها على قدر طاقته ومسؤوليته.

لكن لا بد من بيان أن البلاغ اليوم في المسلمين ليس بلاغ (خبر) هذا الدين. فذلك أمر قام به الأولون. وما بقي اليوم صقع في الأرض لم تبلغه قصة الرسالة الإسلامية، على الجملة. وإنما المسلمون اليوم في حاجة إلى "إبصار". إبصار الحقائق القرآنية التي تتلى عليهم صباح مساء، وهم عنها عمون، على نحو ما وصف الله سبحانه

في قوله: (وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ)،

(الأعراف:198)

وقوله سبحانه: (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ)

(يوسف:105).

فالبلاغ الذي نحن في حاجة إليه إنما هو بلاغ التبصير، لا بلاغ التخبير.

وأما مادته فما ذكرناه من أصول الرسالة القرآنية، وبلاغات القرآن(): من اكتشاف القرآن العظيم، والتعرف إلى الله والتعريف به، واكتشاف الحياة الآخرة، واكتشاف روح الصلوات وحفظ الأوقات، وحقيقة الدعوة إلى الخير، وحكمة اتباع السنة؛ تزكيةً وتعلماً وتحلماً. ومفاتيح ذلك كله في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتلك هي وظيفة مجالس القرآن.

ومعلوم أن من أهم الوسائل الدعوية ذات الأثر العميق، خاصة في هذا العصر، إنما هي تأسيس "مجالس القرآن" كما وصفنا وبينا، وتكثير حِلَقِهَا وسوادها في الأمة؛ حتى تصبح جزءا أساسيا من حركة النسيج الاجتماعي العام، وتلون كل شرائحه الاجتماعية، على اختلاف طبقاتها وقطاعاتها. فالداعية المسلم يدعو إلى الله كلَّ الناس، وفي كل مناسبة، ومن على كل منبر! لكن "مجلس القرآن" في النهاية، هو أساس التزكية والتعليم، ومحضن التربية والتكوين، وضمان السير إلى الله. ومن هنا كان مسلك "بلاغ الرسالات" إنما يتم بالرجوع إلى مسلك "مجالس القرآن" تأسيساً وتوسيعاً.

- المسلك الثالث: رِبَاطُ الفِطْرِيَّةِ، بما يتضمنه من صلوات وأوراد معنوية؛ للتغذية الفردية. وما يلزم عن ذلك كله من فعل الصالحات وترك الموبقات.

فرباط الفطرية: هو أعمال واجبات، وتروك لازمات، وأذكار مندوبات، مما صح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم – التزمه وداوم عليه. فالرباط الفطري هو معراج المؤمن الدائم إلى الله، وحصنه المنيع من كل فتنة أو آفة! ولذلك فهو يتضمن بالأساس، أفعالاً واجبةً وأخرى محرمةً - من المعلوم من الدين بالضرورة - يلتزمها المؤمنُ فعلاً وتركاً أبداً، على أنها أذكار معنوية تُذَكِّرُهُ أبداً بالله؛ إذْ لا يصح سيره إلى الله إلا بها، كما سترى بمحله إن شاء الله. والغايةُ منه إنما هي إصلاح صورة النفس بتهذيبها وتشذيبها، وكذا تزكيتها بتغذية لطائفها؛ حتى تعود إلى أصل فِطْرَتِهَا.

وقد سمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الاشتغال بالصلوات الخمس، وبكل ما تعلق بها من وضوء، ومشي إلى المساجد، وما انبنى عن ذلك كله من سوابق ولواحق من الاستعدادات والعبادات: "رِبَاطاً".

ففي الحديث الصحيحِ من رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِه،ِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ! فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ! فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ! فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ!)

(‌.)

فكون الصلاة والاشتغال بمقدماتها وتوابعها "رباطا"، بهذا الشمول التربوي الجامع، إنما هو باعتبارها صلةً للعبد بربه، وعاصما له من الزلات والغفلات! فهي لذلك فعلٌ وترك. وهي ذكر دائم لله. فذلك هو "الرباط". وتلك هي غاية كل فعل تربوي في الإسلام. ولذلك كانت الصلاة أعظم شعيرة عملية في الدين! فهي أم الالتزامات والأوراد، وأساس كل الأذكار اللفظية والمعنوية جميعا. فالصلاة إذا تحقق بها العبد صدقا، وتخلق بمقاصدها الشرعية حقا – كانت عبادة جامعة مانعة!

واقرأ إن شئت قوله تعالى: ((اُتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ! إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ! وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ! وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ!))

(العنكبوت: 45)

. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ! فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ! فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ!)

ومن هنا فإننا لم نعتمد في هذا المسلك سوى منهاج السنة النبوية الصحيحة. التي اشتغلت - في مجال إصلاح النفس - بالمعاني أساساً. حيث إنَّ الذِّكر على نوعين، هما: الذِّكْرُ العَدَدِيُّ والذِّكْرُ المَعْنَوِيُّ. فالعددي: هو الذي يرهن فيه المسلم نفسه بأعداد هائلة من الأذكار، تسبيحا وتهليلا واستغفارا... إلخ، بلوغا إلى الآلاف! وعلى هذا كان أغلب طرق الصوفية من المتأخرين خاصة. وتلك طريق طويلة محفوفة بالمخاطر! وقلما تصل بصاحبها إلى بر الأمان.

وأما النوع الثاني فهو: الذِّكْرُ الْمَعْنَوِيُّ.

وهو قائم أساسا على قصد ربط المؤمن بربه أبداً، بالأقوال والأفعال والتروك. حيث يجتهد العبد ليحقق في كل حركة، وفي كل كلمة، وفي كل هيأة، من سائر الأفعال والتروك التعبدية التي يدخل فيها، معناها الذي شُرعت له؛ فيكون بذلك في أعلى مقامات الذِّكْرِ. ولذلك كانت الصلاة مثلا بهذا المعنى ذِكْراً،

كما في قوله تعالى: (فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)

(طه: 14)

، وكان القرآن أيضا بهذا المعنى ذِكْراً،

كما في قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)

(النحل: 44)،

كما كان ترك الكبائر والموبقات – كلما عرضت للمؤمن - ذِكْراً أيضا؛ لأن الوقوع فيها آنئذ لا يكون إلا غفلة منه عن إيمانه، وهو ضد معنى الذكر. ومثاله الواضح ما ورد في الحديث النبوي المتفق عليه،

من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن!)

([11])

، وذلك لما لهذه الأفعال والتروك وأضرابها جميعا من تغذية قوية للقلب، وإمداد له بحقائق الإيمان، وهو معنى الذكر وغايته.

فإذا أُخِذَ الذِّكْرُ العددي بموازينه الثابتة في السنة الصحيحة، وطُبق على هذا الميزان، كان ذكرا معنويا أيضا، وكانت عدديته تابعة لهذا القصد. لأن الأذكار النبوية التي بنيت على أعداد معينة إنما جعلتها وسيلة لتعميق المعاني أساساً، ولضمان تغذية القلب بها. فالأعداد فيها تابعة للمعاني والعكس غير صحيح.

وذلك هو الذكر السُّني النبوي. ولذلك ما ثبت في السنة منه إلا ما يدور على المرة الواحدة والثلاث ثم العشرة حتى المائة، على أقصى تقدير. ولم يرد ما يجاوز ذلك ليبلغ المئات بله الآلاف! إذ القصد الشرعي من الذكر إنما هو ربط القلوب بالله، والترقي بها عبر مدارج الإيمان. وهذا إنما يتم بالتحقق والتخلق بالحقائق الإيمانية والصفات الربانية. ولا يكون ذلك إلا بالإبحار في سفائن المعنى، تركيزا على قليل الألفاظ، المكتنـزة بالحقائق الروحية، والمتدرجة بالعبد تربيةً وتزكيةً في طريق السير إلى الله، بما تتيحه له من التدبر والتذكر، والتغذية الإيمانية المنقطعة النظير، التي تقوم بإعادة بناء عمرانه الروحي، وترميم حصنه النفسي. عسى أن ينجح في ابتلاءاتها في مجال التدافع الاجتماعي، والافتتان الدنيوي من أمور المال والأعمال، وسائر معارض الشهوات ومواطنها.

وعلى ذلك المنهاج كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدرب أصحابه ويعلمهم. وشواهده في السنة كثير، بل ذلك هو فعله - عليه الصلاة والسلام - في نفسه بنفسه. ويكفينا من ذلك ما رواه مسلم في صحيحه، من حديث أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رَضِيَ اللَّهُ عَنها أن النبي - صلى الله عليه وَسَلَّم - خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها – يعني وهي تُسَبِّحُ - ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة على حالها،

فقال: (ما زلتِ على الحال التي فارقتك عليها؟) قالت: نعم. فقال النبي صلى الله عليه وَسَلَّم: (لقد قلتُ بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وُزِنَتْ بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن: "سبحان الله وبحمده، عددَ خلقِه، ورِضَا نفسِه، وزِنَةَ عرشِه، ومِدَادَ كلماتِه!")

([12])

ومعلوم أن الكثرة من ذلك تُفْقِدُ اللفظَ حقيقتَه في النفس، وتخرجه عن منهاج السنة النبوية؛ فتحتجب أسرارُه وتغيب أنواره! إذْ أن تضخيم جانب من جوانب الدين - بما يخرجه عن أصله المسنون - يؤدي قطعا إلى ضمور جانب آخر، ربما كان أوجب في الدين وأهم. والحكمةُ إنما هي إعطاء كل شيء قَدْرَهُ الذي أعطاه الشرع له.

 

المراجع

  1. جعلنا ذلك فيما كتبنا من قبل – بكتابنا بلاغ الرسالة القرآنية - في ثلاث خطوات، بصيغة: (اغتنام المجالسات، والتزام الرباطات، وتبليغ الرسالات). وكان الكلام عن "الرباطات" مقصورا على التزام المساجد، لكننا توسعنا ههنا بجعلها متبوعة بأعمال أخرى من أوراد الفطرة الضرورية للمؤمن فعلاً وتركاً، على ما يقتضيه قوله تعالى: ((اُتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ! إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ! وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ! وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ!))(العنكبوت: 45). وبالله تعالى التوفيق.
  2. قد بينا ذلك مفصلا في كتيب "مجالس القرآن": 35-44
  3. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قام بعشر آيات لم يُكْتَبْ من الغافلين! ومن قام بمائة آية كُتِبَ من القانتين! ومن قام بألف آية كُتِبَ من المقنطرين!) رواه أبو داود وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير.
  4. يكفيك من ذلك إشارةً أنَّ اسمها هو أحد أهم أسماء القرآن! ولا سورة سميت بمثل اسمها، مع أن أسماء القرآن الواردة بنصه كثير. ثم إن موقعها منفتح على أواسط القرآن، ولذلك فهي تدخل بصاحبها إلى ساحاته وباحاته؛ وتفضي به إلى معارجه ومقاصده. ومن هنا كانت آياتها كلها تدور على محاور القرآن الكبرى، بدءا بأصول الإيمان وحقيقة التوحيد والإخلاص، فدلائل النبوة، وحقائق البعث ومشاهد القيامة، والوعد والوعيد، وموازين العدل، وعِبَرِ القصص، ثم حِكَمِ التشريع وجماله. ولذلك كانت خاتمتها تحمل من ثمار الإيمان ومدارجه ما يرتقي بالعبد إلى منازل الأولياء والصدِّيقين! وما التوفيق إلا بالله.
  5. صحيح البخاري، كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل.
  6. قد أوردنا بعض المعالم المنهجية؛ لتكوين شخصية الداعية الرباني، في تمهيد "برنامج الربانية".
  7.  أخرجه البخاري.
  8. متفق عليه.
  9.  هي فصول كتابنا "بلاغ الرسالة القرآنية".
  10. رواه مالك في موطئه ومسلم في صحيحه، كما رواه أحمد والترمذي والنسائي.
  11.  متفق عليه.
  12.  رواه مسلم.


السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ المسالك التربوية للفطرية

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day