أخبار و أحوال السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم في الإخلاص


الشيخ/ خالد بن عثمان السبت

و أخيراً أختم هذا الموضوع بالعيش معكم بعض الوقت في بين أخبار و أحوال السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم :

و هو حديثٌ شيق يجذب النفوس و ترق له القلوب و فيه عبرةٌ لمن يعتبر ، نحن بحاجة كثيراً أيها الإخوان إلى النظر دائماً في أحوال السلف الصالح ، في عبادتهم ، في تقواهم ، في ورعهم ، في خوفهم ، في إيمانهم ، في إخفائهم للعمل الصالح ، نحتاج إلى معرفة أحوالهم في كل شأنٍ من شؤونهم .


قد يتقاصر الإنسان أمام الانبياء عليهم الصلاة و السلام ، و يقول هؤلاء أيدّهم الله عز وجل بالوحي ، لكن هؤلاء ممن نذكر أخبارهم ، لم يكن الوحي ينزل عليهم ، و عامة هؤلاء الذين اخترت لكم خبرهم إن لم يكونوا جميعاً ، ليسوا أيضاً ممن شاهد النبي صلى الله عليه و سلم ، ليسوا من أصحاب رسول الله عيه الصلاة و السلام ، و إنما هم ممن جاء بعدهم .

فعن أي شيء نتحدث من شؤونهم و من أحوالهم ، إذا تحدثنا عن حرصهم على استحضار النية في كل شيء نجد عجباً ، بعضهم يقول : إنّي لأستحب أن يكون لي في كل شيء نية ، حتى في أكلي و شربي و نومي و دخولي الخلاء !

و الإمام أحمد يقول لابنه : " يا بني ، انوٍ الخير ؛ فإنّك لا تزال بخير ما نويت الخير " ، يربون أولادهم على استحضار النية في كل عملٍ يعملونه .

و نافع ابن الزبير رحمه الله قال له قائل : ألا تشهد الجنازة ؟ هذه جنازة قد حضرت ، ألا تشهد الجنازة ؟ ، قال : كما أنت ، انتظر قليلاً حتى أنوي . أراد أن يُحدث نية و ليس يعني ذلك أن ينطق بالنية ( نويت أن أشهد الجنازة أو أن أُصلي على الجنازة ) كما يفعل بعض الجُهالّ ، لا و إنّما رأى أنّ قلبه لم يستحضر نية تصلح أن يتقرب بها لله عز وجل ، فقال : كما أنت ؛ حتى أنوي .


إذا نظرنا إلى كتمانهم للأعمال الصالحة ماذا نجد ؟

يقول الحسن البصري رحمه الله : إن كان الرجل جمع القرآن و ما يشعر به الناس ، - حينما يختم القرآن حفظاً لا يُخبر كل أحد و يمشي و يتحدث ، أنا حفظت القرآن ، و إنّما يكتم ذلك و لا يشعر به أحد - ، يقول : و إن كان الرجل يتقن الفقه الكثير و ما يشعر به الناس ، و إن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته و عنده الزوار و ما يشعرون به ، و لقد أدركت أقواماً ما كانوا على عملٍ يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانيةً أبداً ، - كل عملٍ يستطيعون أن يخفوه فإنّهم لا يظهرونه بحالٍ من الأحوال .

ابن مُحيريز كان من أحرص الناس على كتمان أعماله ، حتى إنّه يحاول أن يكتم عمله من نفسه ، يكتم أحسن ما عنده عن الناس فلا يُظهر شيئاً .

شريح القاضي كان يخلو في بيت له في يوم الجمعة لا يدري أحدٌ من الناس ماذا يصنع فيه .

قيل لابن المبارك : إبراهيم بن أدهم ممن سمع ؟ ممن أخذ الحديث ؟ ممن أخذ العلم ؟ ممن تلقى ؟ فقال : قد سمع من الناس و له فضلٌ في نفسه .

و الشاهد هو قوله : " صاحب سرائر ، ما رأيته يظهر تسبيحاً و لا شيئاً من الخير ، و لا أكل مع قومٍ قط إلا كان آخر من يرفع يده " ، ما معنى هذا الكلام ؟ لا يُظهر عملاً صالحاً ، و إذا جلس مع الناس على أمرٍ مباح كان آخر من يرفع يده ، يتظاهر أنّه ليس من أهل الزهد ، و أنّه يأكل كما يأكل عامة الناس ، لا يقوم أولهم ليقول قائل : فلانٌ يُقيم صُلبه بلقمةٍ أو لقمتين ، و إنّما يكون مظهرٌ لهم أنّه يأكل معهم كأنّه يشاركهم في ذلك الأكل أجمع طيلة الوقت ، فيكون آخر من يرفع يده ؛ لئلا يلتفت إليه أحد و يقول : فلان ما شاء الله لا يأكل إلا قدراً قليلاً بقدر ما يُقيم الصُلب .



السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ أخبار و أحوال السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم في الإخلاص

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day