آداب الحج والزيارة


محمد خير فاطمة

 

   الحج آخر أركان الإسلام، وهو عبادة روحية وجسدية ومالية، وهو رحلة يتحمل فيها المسلم ترك الوطن والتعرض للمشاق وبذل المال، وترك العيال، انقطاعا الى الله، وهجرة الى رضاه وعملا على تكفير ذنوبه وفتح صفحة جديدة من صفحات البر والإيمان.

 

  إنها تلبية نداء لزيارة بيته المقدّس، حيث ذكريات بناء البيت، والتضحية والفداء ومواقف النبي صلى الله عليه وسلم والمكان الذي انبعث منه صوت الحق ونبع منه ينبوع الإيمان.

 

  قال تعالى:{ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)} الحج.

 

  في موسم الحج هذا انقطاع الى العبادة بأنواعها المختلفة وصرف أكثر الأوقات بين صلاة وذكر وقراءة للقرآن وتهليل وتكبير وتحميد وتمجيد ودعاء وابتهال فيصفو القلب ويطمئن الفؤاد وينشرح الصدر وتجلى الهموم وتغسل الأدران وتقبل التوبة ويستجاب الدعاء.

 

  ومن جمال الحج النظر الى الكعبة المشرّفة بيت الله الحرام فإنه عبادة، ورؤيته في صلاته قبلته التي يستقبلها كل يوم. فيرى أول بيت وضع للناس للعبادة، ويتذكر أبانا إبراهيم وإبنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام وهما يرفعان القواعد من البيت، ويتذكر إنتشار الإسلام من مكة الى أقطار الأرض فهي أم القرى.

 

  وفي عرفات درس وتمرين على الإخلاص الكامل لله وحده في العمل والابتهال إليه بالدعاء فإن الاجتماع هناك يذكر بالمحشر والعرض الأكبر على الله تعالى يوم القيامة فيسمع هناك لغات مختلفة يضرعون بها الى خالق الأرض والسموات وقلوبهم متجهة الى بارئها بإخلاص وحب وتضرع وبكاء...

 

  انظروا لعبادي جاؤوني شعثا غبرا أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم فالحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوا، وسألوه فأعطاهم.

 

  في رحلة الحج تجرد عن الوطن والأهل والمال فهو تمرين على سهولة فراق ذلك كله عند الموت فلا يصعب عليه، وتدريب على الزهد في الدنيا وأن لا يأخذ منها إلا قدر زاد الراكب وينفق في سبيل الله بسخاوة ونفس وطمأنينة فؤاد.

 

  وفي موسم الحج دورة تدريبية لترك الرفث والفسوق والجدال فلا معاصي في الحج ولا مخاصمات وبذلك يعتادون بعده ترك المفاسد.

 

  في الحج يلتقي المسلمون من أقطار الأرض في هذه البقعة المباركة فيتعارفون ويتآلفون وفيه يحصل التعاون والتناصر بينهم فهو أعظم مؤتمر عالمي على وجه الأرض، وفي الحج يتم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي وفيه تتحقق المساواة بشكل عملي وتطبيقي فلا فرق بين رئيس ومرؤوس ولا غني ولا فقير، ولا كبير ولا صغير ولا أبيض ولا أسود فهم سواسية كأسنان المشط ولا كبرياء ولا عظمة فهم متواضعون لبعضهم ويؤثرون بعضهم بعضا ويساعد بعضهم بعضا.

 

  وفي أثناء أعمال الحج يقوم الحاج بزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم، زيارة أعظم إنسان في هذا الوجود فيقف المسلم مشدوها أمام هذه العظمة المتمثلة بهذا الرسول العظيم ويستعيد ذكرى سيرة هذا النبي وكيف بلّغ الأمانة وأدى الأمانة وما تحمل في ذلك، ويكاد لا يصدق المسلم نفسه بأنه يقف هذا الموقف، فتغمر روحه أنوار المصطفى وروحانيته وكأنه يناجي رسول الله ويحادثه وعينيه تهطل دموع الفرح والسرور والغبطة فإذا به ينطق " الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله" صلى الله عليه وسلم.

 

  ثم يتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم:" من زار قبري وجبت له شفاعتي". أخرجه الدارقطني وأبو بكر والبزار.

 

  وقوله صلى الله عليه وسلم:" من حج فزار قبري بعد وفاتي، فكأنما زارني في حياتي" أخرجه الدارقطني وسعيد بن محمود.

 

  وقوله صلى الله عليه وسلم:" من زارني كنت له شفيعا أو شهيدا، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله عز وجل من الآمنين يوم القيامة". أخرجه أبو داود والطيالسي.

 

 وهذه جملة من آداب الحج والعمرة:

 

1-  الاستعداد للحج بالتوبة الصادقة، والإقلاع عن الذنوب الظاهرة والباطنة ورد مظالم الناس، بالجسم والعرض والمال والتحلل منها، وطلب المسامحة من أهلها.

 

2-  كتابة الوصية الواجبة على كل مسلم في كل وقت وهي في مثل حال السفر أشد وجوبا فلعله لا يرجع من سفره. وذلك بأن يكتب فيها حقوق الله التي لم يؤدها مثل الزكاة والصوم ونحوهما وحقوق الناس المالية وغيرها ويوصي ورثته بأدائها.

 

  كما يوصي أهله بترك المعاصي والمحافظة على الصلاة وأوامر الله سبحانه والابتعادعن نواهيه.

 

3-     الإنفاق من الكسب الحلال الطيب لإنفاذ رحلة الحج، وترك ما يلزم من نفقة لمن تلزمه نفقة خلال فترة غيابه.

 

  عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى:{ وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}. رواه البخاري.

 

4-     التعجيل بالحج متى قدر عليه حسب القواعد الشرعية وتجنب تأجيله تهاونا بها. أو تكاسلا عنه.

 

  قال تعالى:{ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} آل عمران.

 

  وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من أراد الحج فليتعجل". رواه أبو داود.

 

  وزاد ابن ماجه: فإنه قد يمرض المرض، وتضل الراحلة، وتعرض الحاجة.

 

5-  اختيار الصاحب الصالح، والرفيق الأمين، والدليل العالم بأحكام الحج، والمواقف والشعائر ذلك الصاحب الذي إن ذكر أعانه وإن نسي ذكره، والأفضل الذهاب مع العلماء العاملين فإذا منّ الله تعالى عليه بهذا الفضل فليتمسك به فإنه يعينه على مبارّ الحج ومكارم الأخلاق ويمنعه بعلمه وعمله من سوء ما يطرأ على المسافر من مساوئ الأخلاق والضجر ويعود بحجة مقبولة لا تنسى أبدا ( إن شاء الله تعالى).

 

6-  الرفق بالأصحاب، وتحسين الخلق لهم، ولين الجانب معهم، وبذل المراد لهم، والقيام على خدمتهم، والبشاشة والاستبشار عند رؤياهم، وترك اللغو والمماراة والجدال معهم، والإعراض والتغافل عن زلاتهم، وإيثارهم بالراحة والمال.

 

  قال تعالى:{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} البقرة 197.

 

  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجرا وأحبهما الى الله عز وجل أرفقهما بصاحبه".

 

  ويسن للمسافرين معا أن يؤمروا أحدهم فذلك أولى الى انتظام أمورهم وحسم خلافاتهم.

 

  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم" رواه أبو داود.

 

  ويفضل لهم إذا باتوا في الخلاء أن يتناوبوا الحراسة.

 

7-  تعلم مناسك الحج بشكل صحيح عند العلماء الأفاضل قبل السفر وحضور دورات تدريبية توضح مناسك الحج بشكل تدريبي عملي واصطحاب كتاب بذلك حتى يحج بعلم وثقة ويعود مطمئن البال بأنه أدى الفريضة كما يحب الله ورسوله.

 

8-  صلاة ركعتين عندما يريد الخروج من منزله للسفر عن المقطّم ان المقدام الصحابي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما حين يريد سفرا" رواه الطبراني.

  يقرأ في الأولى بعد الفاتحة:{ قل يا أيها الكافرون}. وفي الثانية:{ قل هو الله أحد}.

 

  وقال بعضهم يقرأ في الأولى بعدا لفاتحة:{ قل أعوذ برب الفلق}، وفي الثانية:{ قل أعوذ برب الناس}. فإذا سلم قرأ آية الكرسي، فقد جاء أن من قرأ آية الكرسي قبل خروجه من منزله لم يصبه شيء يكرهه حتى يرجع، ويستحب أن يقرأ سورة { لإيلاف قريش} فقد قال الإمام أبو الحسن القزويني إنها أمان من كل سوء.

 

  ثم يدعو بحضور قلب وإخلاص ومن أحسن ما يقول: " اللهم بك أستعين وعليك أتوكل، اللهم ذلل لي صعوبة أمري، وسهل عليّ مشقة سفري، وارزقني من الخير أكثر مما أطلب، وأصرف عني كل شر، ربّ اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، اللهم إني أستحفظك وأستودعك نفسي وديني وأهلي وأقاربي وكل ما أنعمت عليّ وعليهم به، من آخرة ودنيا، فاحفظنا أجمعين من كل سوء يا كريم".

 

  ويفتتح دعاءه ويختمه بالتحميد لله تعالى، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا نهض من جلوسه فليقل ما رويناه عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد سفرا إلا قال حين ينهض من جلوسه: اللهم إليك توجّهت، وبك اعتصمت، اللهم اكفني ما همّني وما لا أهتم له، اللهمّ زوّدني التقوى، واغفر لي ذنبي، ووجّهني للخير أينما توجهت.

 

9-     توديع أهله وجيرانه وأصداقئه.

 

  عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا أراد أحدكم سفرا فليودّع إخوانه، فإن الله تعالى جاعل في دعائهم خيرا".

 

  والسنة أن يقول له من يودعه ما روي عن قزعة قال لي ابن عمر رضي الله عنهما: تعال أودعك كما ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك" رواه أبو داود.

 

  ويقول له: زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسّر لك الخير حيث كنت".

 

  عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قال ( يعني إذا خرج من بيته) بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كفيت ووقيت وهديت وتنحّى عنه الشيطان" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم.

 

10-يقول عند خروجه من بيته ما صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خرج من بيته" بسم الله توكلت الله على الله اللهم إني أعوذ بك أن أضلّ أو أضل، أو أزلّ أو أزلّ أو اظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل عليّ". رواه أبو داود.

 

  وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا خرج من بيته:" بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله يقال له هديت ولقيت ووقيت".

 

  ويستحب هذا الدعاء لكل خارج من بيته، ويستحب أن يتصدق بشيء عند خروجه وكذا بين يدي كل حاجة يريدها.

 

11-يسمي الله إذا بدأ المسافر بركوب مركبته ويدعو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

  عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله علي وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا الى سفر كبّر ثلاثا ثم قال:" سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا الى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنّا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آيبون تائلون عابدون لربنا حامدون". رواه مسلم.

 

12-تجنب الشبع المفرط والزينة والترفه والتبسط في ألوان الأطعمة فإن الحاج أشعث أغبر، وينبغي أن يستعمل الرفق وحسن الخلق مع جميع الناس وتجنب المخاصمة والمخاشنة ومزاحمة الناس في الطريق وموارد الماء ما أمكنه ويصون لسانه من الشتم والغيبة واللعن وجميع الألفاظ القبيحة وليلاحظ قوله صلى الله عليه وسلم:" من حجّ فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

 

  وليرفق بالسائل له والضعيف ولا ينهر أحدا منهم ولا يوبخه على خروجه بلا زاد بل يواسيه بشيء مما تيسر فإن لم يفعل رده ردا جميلا ودعا له بالمعونة.

 

13-التكبير أثناء الصعود والتسبيح أثناء الهبوط ويندرج ذلك على الصعود والهبوط في المطبات الهوائية في الطائرات.

 

 فعن جابر رضي الله عنه قال: كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبّحنا" رواه البخاري.

 

  كما يسن الدعاء أثناء السفر لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده" رواه أبو داود والترمذي.

 

14-يدعو بدعاء الرسول كلما أراد دخول قرية.

 

 

  عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قا لحين يراها اللهم رب السماوات السبع وما أظللن والأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها" رواه النسائي.  

 

15-التأدب بآداب الإحرام وهي:

 

أ‌-   النظافة: وتتحقق بتقليم الأظافر، وقص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، والوضوء، أو الاعتسال، وهو أفضل، وتسريح اللحية، وشعر الرأس.

 

  قال ابن عمر رضي الله عنهما:" من السنة أن يغتسل إذا أراد الإحرام، وإذا أراد دخول مكة. رواه البزار.           

 

 وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن النفساء والحائض تغتسل وتحرم، وتقضي المناسك كلها، غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر" رواه أحمد. 

 

ب‌- التجرد: من الثياب المخيطة ولبس ثوبي الإحرام، وهما رداء يلف النصف الأعلى من البدن، دون الرأس، وإزار يلف به النصف الأسفل منه.

 

  وينبغي أن يكونا أبيضين، فإن الأبيض أحب الثياب الى الله تعالى.

 

  قال ابن عباس رضي الله عنهما:" انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجل، وادّهن، ولبس إزاره ورداءه، هو وأصحابه"  رواه البخاري.       

 

ج- التطيب في البدن والثوب، وإن بقي أثره عليه بعد الإحرام.

 

  فعن عائشة رضي الله عنها قالت:" كأني أنظر الى وبيض [ أي "بريق"] الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم". رواه البخاري ومسلم. 

 

  وعن عائشة رضي الله عنها أيضا قالت: كنت أطيّب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت". رواه البخاري ومسلم.

 

د- صلاة ركعتين: ينوي بهما سنة الإحرام، يقرأ في الأولى منهما بعد الفاتحة سورة الكافرون وفي الثانية سورة الإخلاص.

 

  قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين" رواه مسلم.

 

16-التأدب بآداب دخول مكة والبيت الحرام وهي:

 

أ‌-       الاغتسال.

   فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان  يغتسل لدخول مكة.

 

ب‌- أن يبادر الى البيت بعد أن يدع أمتعته في مكان أمين ويدخل من باب بني شيبة ـ باب السلام ـ ويقول في خشوع وضراعة:

 

 " أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه الكريم من الشيطان الرجيم، بسم الله، اللهم صلّ على محمد وآله وسلم، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك".

 

ج- إذا وقع نظره على البيت، رفع يديه وقال:

 

  " اللهم زد هذا البيت تشريفا، وتعظيما، وتكريما، ومهابة، وزد من شرّفه وكرّمه ممن حجه، او اعتمره، تشريفا وتكريما وتعظيما، وبرا" رواه الشافعي مرفوعا.

 

 " اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحيّنا ربنا بالسلام" أخرجه سعيد بن منصور.

 

د- ثم يقصد الى الحجر الأسود، فيقبله بدون صوت. فإن لم يتمكن استلمه بيده وقبله. فإن عجز عن ذلك، أشار اليه بيده. ثم يقف بحذائه ويشرع في الطواف ولا يصلي تحية المسجد، فإن تحيته الطواف به، إلا إذا كانت الصلاة المكتوبة مقامة فيصليها مع الإمام.

 

  لقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".

 

وكذلك إذا خاف فوات الوقت، يبدأ به فيصليه.

 

هـ- أن يستحضر عند رؤية الكعبة ما أمكنه من الخشوع والتذلل والخضوع فهذه عادة الصالحين وعباد الله العارفين لأن رؤية البيت تذكر وتشوق الى رب البيت.

 

17-التأدب بآداب الطواف وسننه وهي:

 

أ- استقبال الحجر الأسود، عند بدء الطواف مع التكبير والتهليل، ورفع اليدين: كرفعهما في الصلاة، واستلامه بهما بوضعهما عليه، وتقبيله بدون   صوت، ووضع الخد عليه، إن أمكن ذلك، وإلا مسّع بيده وقبلها، أو مسه بشيء معه وقبله، أو أشار بيده وقبلها في المكان الذي يقف فيه مقابل الحجر على خط البدء بالطواف.

 

  قال ابن عمر رضي الله عنهما: استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر واستلمه، ثم وضع شفتيه يبكي طويلا، فالتفت فإذا عمر يبكي طويلا، فقال:" يا عمر هنا تسكب العبرات" رواه الحاكم.

 

  وعن ابن عباس: أن عمر أكب على الركن فقال: إني لأعلم أنك حجر، ولو لم أر حبيبي صلى الله عليه وسلم قبّلك واستلمك ما استلمتك ولا قبّلتك " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" رواه أحمد.

 

ب-  الاضطباع: وهو جعل وسط الرداء تحت الإبط الأيمن، وطرفيه على الكتف الأيسر.

 

  فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فاضطبعوا أرديتهم تحت آباطهم، وقذفوها على عواتقهم اليسرى" رواه أحمد وأبو داود.

 

ج- الرّمل: وهو الإسراع في المشي مع هز الكتفين وتقارب الخطى وقد شرّع ذلك إظهار للقوة والنشاط.

 

  عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الأسود الى الحجر الأسود ثلاثا، ومشى أربعا. رواه أحمد.

 

  وهذا للرجال أما النساء فلا اضطباع عليهن لوجوب سترهن ولا رمل.

 

د- استلام الركن اليماني:

 

  لقول ابن عمر: لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يمس من الأركان إلا اليمانيّين، وقال: ما تركت استلام هذين الركنين (اليماني ـ الحجر الأسود) منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما في شدة ولا في رخاء. رواه البخاري ومسلم.

 

هـ-  صلاة ركعتين بعد الطواف:

 

  يسن للطائف صلاة ركعتين بعد كل طواف، عند مقام إبراهيم أو في أي مكان من المسجد.

 

  عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة طاف بالبيت سبعا، وأتى المقام فقرأ:{ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فصلى خلف المقام ثم أتى الحجر فاستلمه. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

 

  والسنّة فيهما قراءة سورة الكافرون بعد الفاتحة في الركعة الأولى وسورة الإخلاص في الركعة الثانية، فقد ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم وغيره.

 

18-التأدب بآداب الوقوف بعرفات وسننه:

 

أ‌-       الاغتسال للوقوف بعرفة.

 

  " وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يغتسل لوقوفه عشية عرفة" رواه مالك.

 

  واغتسل عمر رضي الله عنه بعرفات وهو مهل.

 

ب‌- المحافظة على الطهارة الكاملة، واستقبال القبلة والإكثار من الاستغفار والذكر والدعاء لنفسه ولغيره بما شاء من أمر الدين والدنيا مع الخشية وحضور القلب ورفع اليدين.

 

  قال أسامة بن زيد: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو. رواه النسائي.

 

  وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" خير الدعاء، دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" رواه الترمذي.

 

19-البعد في جميع أعمال الحج عن إيذاء الناس في الزحمة أو دفعهم ويتلطف بمن يزاحمه ويلحظ بقلبه جلالة البقعة التي هو فيها والتي هو متوجه إليها ويلتمس عذر من زاحمه وما نزعت الرحمة إلا من قلب شقي.

 

20-البعد أيضا عن الغضب أوالفحش في الكلام والسب والشتم واللعن والجدال والخصومات مع الآخرين لقول الله عز وجل:{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197)} البقرة.

 

21-التذكر دائما بأنه في أعماله إنما يؤدي فرضا من فروض الله، يؤدى مرة في العمر فيتحمل المشاق ويصبر على الإيذاء ويوجه قلبه لله سبحانه ويستشعر بأن الله معه يراه ويراقبه ويلتمس الخشوع والإجلال والسكينة والطمأنينة ويكثر من التهليل والتكبير والتمجيد والتعظيم لله سبحانه وتعالى. ويشغل أوقاته بالدعاء وقراءة القرآن والذكر والبكاء والتضرع والتوبة وإخلاص العبودية لله ولا ينسى الدعاء للأقرباء والأرحام والأصدقاء ومن سألوه ولجميع المسلمين بالخير والسعادة والتوفيق وصالح أمورهم والعفو والعافية الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

 

22-التأدب بآداب زيارة النبي صلى الله عليه وسلم:

 

أ‌-   أن يكثر من الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه الى المدينة وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

ب‌-  أن يغتسل قبل دخوله المسجد النبوي ويلبس أنظف ثيابه متطيبا بالطيب.

 

ج- دخول مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالسكينة والوقار، فإذا وصل باب المسجد فليقدّم رجله اليمنى في الدخول قائلا:" أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، بسم الله والحمد لله، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آل محمد وسلم، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك".

 

د- أن يأتي الروضة الشريفة،" وهي ما بين المنبر والقبر" فيصلي فيها بجنب المنبر تحية المسجد ركعتين، ويشكر الله تعالى بالثناء عليه على هذه النعمة.

 

هـ- يتجه الى القبر الشريف مستقبلا جداره ومستدبرا القبلة فيسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مستحضرا جلال موقفه ومنزلة من هو في حضرته قائلا بصوت خفيض:

 

  السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله، السلام عليك يا خير خلق الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا سيد المرسلين، السلام عليك يا رسول رب العالمين، جزاك الله يا رسول الله أفضل ما حزى نبيا ورسولا عن أمته، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنك عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده.

 

و- ثم يتأخر نحو ذراع الى الجهة اليمنى فيسلم على سيدنا أبي بكر الصديق، ثم يتأخر أيضا نحو ذراع فيسلم على سيدنا الفاروق عمر رضي الله عنهما.

 

ز- ثم يستقبل القبلة فيدعو لنفسه، ولأحبابه، ولإخوانه، وسائر المسلمين ثم ينصرف.

 

ح- على الزائر أن لا يرفع صوته إلا بقدر ما يسمع نفسه.

 

23-التأدب بآداب الإقامة بالمدينة المنورة:

 

أ‌-       أن يصلي الصلوات الخمس بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأن ينوي الاعتكاف فيه كلما دخله.

 

ب‌- أن يخرج كل يوم الى البقيع بعد زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الفرقد، اللهم اغفر لنا ولهم.

 

ج- أن يزور قبور الشهداء بأحد ويبدأ بالسلام على عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبدالمطلب سيد الشهداء ثم يسلم على بقية الشهداء الأبرار ويدعو لهم قائلا:" سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار".

 

د- أن يزور مسجد قباء وهو أول مسجد بني في الإسلام وهو المسجد الذي أسس على التقوى وتستحب زيارته والصلاة فيه استحبابا مؤكدا. " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء راكبا وماشيا فيصلي فيه ركعتين" رواه البخاري ومسلم.

 

هـ- أن يأتي سائر المشاهد بالمدينة وهي نحو ثلاثين موضعا يعرفها أهل المدينة فليقصد ما قدر عليه منها وكذا يأتي الآبار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها ويغتسل ويشرب وهي سبع آبار.

 

و- أن يلاحظ بقلبه في مدة مقامه بالمدينة جلالتها وأنها البلدة التي اختارها الله تعالى لهجرة نبيه صلى الله عليه وسلم واستيطانه ومدفنه وليستحضر تردده صلى الله عليه وسلم فيها ومشيه في بقاعها.

 

24-التأدب بآداب الرجوع من سفر الحج وسننه.

 

أ‌-   الاستعجال في العودة الى أهله وولده إذا قضى المسافر حاجته وغرضه من سفره ليستأنف رعايته لهم وإشرفه على تربيتهم.

 

  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل الى أهله" رواه البخاري ومسلم.

 

ب‌-  الدعاء:

 

  عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من حجّ أو عمرة كبّر على كل شرف ثلاث تكبيرات ثم يقول:" لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده". رواه البخاري ومسلم.

 

ج- ترتيب العودة من السفر قدر الإمكان بحيث لا يصل الى أهله في ساعة متأخرة من الليل بل يفضّل أن يدخل بيته في النهار وبعد أن يصلح شأنه.

 

  عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرقن أهله ليلا" وفي رواية:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا" رواه البخاري ومسلم.

 

د- دخول أقرب مسجد الى المدينة ويصلي فيه ركعتين.

 

  عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين" رواه البخاري ومسلم.

 

هـ- إحضار الهدايا لأهل بيته وأقربائه وأصحابه بقدر الإمكان من طعام أو متاع البلدة التي كان فيها فهو من السنة كما ورد في الإحياء.

 

  كما يسن أن يدعو الله بقوله:" اللهم اجعل لنا فيها قرارا ورزقا حسنا".

 

و- وقوله إذا دخل بيته ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

  عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من سفره فدخل على أهله قال: توبا توبا لربنا  أوبا لا يغادر حوبا".

أي أسألك توبة لا تترك إثما.

 

ز- ينبغي أن يكون الحاج بعد رجوعه خيرا مما كان فهذا من علامات قبول الحج وأن يكون خيره آخذا في ازدياد.

 

ح- استقبال الزائرين على أحسن حال وهيئة مع البشاشة وحسن الضيافة والحديث حول مزايا الحج وفوائده وما يشعر به الحاج من طمأنينة وانشراح وزيادة في الإيمان مرغبا إياهم ومشوقا لهم ليعقدوا العزم على أداء هذه الفريضة ولا يتحدث أبدا عن المصاعب أو المتاعب التي لا بدّ أن يلاقيها كل مسافر حتى لا يثبط الهمة وحتى لا يحبط عمله وثوابه.

 

ط- يستحب لمن يسلم على القادم من الحج أن يدعو له.

 

  عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" قبل الله حجّك وغفر ذنبك، وأخلف نفقتك" رواه ابن السني.

 

  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج" رواه البيهقي.

 
 

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ آداب الحج والزيارة

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day