تابع للنقطة السادسة من الادلة التاريخية علي مقولة (ان المسيح رب)


ماجد بن سليمان

 مَكَانَة بُولِس فِي الْمَسِيحيَّة


بِنَاءً عَلى مَا تَقَدَّم فَإِنَّ بُولِس هُو الْمُؤسِّسُ الْحَقِيقيُّ للدِّيَانَة الْمَسِيحيَّة الْحَالِيَة، وتَنْتَسِب إِلَيه قَولًا وعَملًا، ولَيْسَ إِلَى الْمَسِيح عِيسَى ابنِ مَرْيمَ، وإنْ كَانتْ تُسَمَّى «الْمَسِيحيَّة» نسبة إلى اسم المسيح، فَهُو - أي بولس - هو واضِع بِذْرَتِها الَّتي سَقَتْها الْمَجَامِعُ الكَنَائِسيَّة فِيمَا بَعدُ بِدَعْمِ الرُّومَان لِتَزْدَادَ تَحْرِيفًا وضَلالًا، فَبُولِس هُو الطَّامَّة الأُولى عَلَى دِينِ الْمَسِيح، وهُو الَّذِي أَفْسَده وأَخْرَجَه عَنْ إِطَارِه تَمامًا إِلَى إطَارِ الْوثَنِيَّة، المُتَمَثِّلة فِي عِبَادَة الأَصْنَام والأَحْجَارِ والتَّمَاثِيلِ والصُّوَرِ والصُّلبانِ والأَشْخَاصِ مِنَ الأَنْبياءِ والكُـهَّان.

قَالَ (جُوسْتَاف لوبُون)(1): «كَانَ القِدِّيس بُولِسُ مَفْطُورًا عَلى فَرْطِ الْخَيالِ، وكَانَتْ نَفْسُه مَملوءةً بِذكْرَياتِ الْفَلْسَفةِ اليُونَانيَّة والأدْيانِ الشَّرْقِيَّة، فَأَسَّس بِاسْمِ يَسُوعَ دِينًا، لَا يَفْقَههُ يَسُوعُ لوْ كَانَ حيًّا»(2).


وقَالَ: «إنَّ بُولِس أَسَّس بِاسْم يَسُوع دِينًا لا يَفْقَهُه يَسُوعُ لوْ كَان حيًّا، ولوْ قِيل للتَّلامِيذ الاثْني عَشَرَ: (إنَّ اللهَ تَجسَّد في يَسُوع) مَا أَدْرَكُوا هَذِه الْفَضِيحة الْقَطْعِيَّة، ولَرَفَعُوا أَصْواتَهُم مُـحْتَجِّينَ»(3).


وقَالَ «مَايْكِل هَارت»(4): «إنَّ القِدِّيس بُولِسَ هُو الـمُطوِّر الْحَقِيقيُّ للنَّظَريَّة الْمَسِيحيَّة، وهُو الـمُـغَـيِّـر لأُصُولِها، وهُو الْمُؤلِف لِجُزْءٍ كَبيرٍ مِن الْعَهْد الْجَدِيد».
"St. Paul was the main developer of Christian theology, its principal proselytizer, and the author of a large portion of the New Testament"(5).


وبِناءً عَلى مَا تَقدَّم؛ فَمُؤسِّس الدِّيَانة الْمَسِيحيَّة بِشَكْلِها وتَرْكِيبتِها الْحَالِية هُو بُولِس قَطعًا ولَيسَ الْمَسِيح.

 مَوقفُ الْمَسِيحيينَ مِن بُولِس

الْمَسِيحيُّون يُعظِّمُون بُولِس تَعْظيمًا شَديدًا، ويَعْتَقِدونَ أنَّه رَسولٌ فعلًا كَمَا قَالَ هُو عَنْ نَفْسِه، ويُسَمُّونَه «رَسُول الأُمَم»، ولهُ كَنَائِس عِدَّة، مِنْهَا كَنِيسَة بُولِس في رُومَا، وهِي ثَاني أَكْبر كَنْيسةٍ هُنَاك، وفِيهَا مِنَ النُّقُوش والزَّخَارِف العُمْرَانِيَّة الشَّيء الْكَثِير، وفي مُقَدِّمَة الْكَنِيسَة تِمْثَالٌ كَبيرٌ لهُ، وكُلُّ هَذَا لا يَمُتُّ لدِينِ الْمَسِيح الأَصْلِي بِصلةٍ، إذْ إنَّ الْمَسِيح جَاءَ لِيُخِرجَ النَّاسَ مِنْ عِبَادَة غَيرِ اللهِ إِلى عِبَادَة اللهِ، وتَطْبِيق مَا جَاءَ في الإِنْجِيل، فَتَحَوَّل دِينُه إِلى مَا تَرَى أَيُّها القَارِئ الكَرِيم وأَيَّتُها القَارِئة الْكَرِيمة، تَحوَّل إِلى عِبادَةِ صُورٍ وتمَاثِيلَ وبَرَاوِيزَ، وفي الْكَنَائِس تَدُور كُؤوسُ الْخَمْر، وتَحْصُل الْعَلاقَات الْمُحَرَّمة بَينَ القَسَاوِسَة والرَّاهِبات، ويَحْصُل الرَّقص وعَزْف الْمُوسِيقى، مِمَّا هُو مُنَاقِضٌ لِدينِ الْمَسِيح وتعَالِيمِه مِن جَمِيع الْوجُوه. 

 موقف أتباع المسيح الأوائل مِن بُولِس

عَاشَ أَتْباعُ الْمَسِيح عَلَى الْعَقِيدة الصَّحِيحةِ الَّتي رَبَّاهُم عَلَيها الْمَسِيح حينًا مِنَ الدَّهْر، ولَكِنَّهم لاقوا خِلالها اضْطِهادًا شَديدًا مِنَ الْيَهُود، لاسيَّمَا مِنْ بُولِس الْيَهُودِي، فَقَدْ كَانَ شَدِيدَ الاضْطِهادِ للنَّصَارَى أَتْبَاع الْمَسِيح، فَلَمَّا وجَدَ أنَّ العُنْف لمْ ولَنْ يُجدِي مَعْهُم اسْتَعْمَل أُسْلُوب النِّفَاق، فَادَّعى الإِيمَانَ بِالْمَسِيح، واجْتَهَدَ في تَعلُّم تَعَالِيمِه حتَّى صَارَ مِنْ أَعْلَمِهم، ثمَّ بَعْد هَذَا كَذَبَ عَليهِمْ, وقَالَ: إنَّ الْمَسِيحَ أوْحَى إِلَيهِ إِنْجِيلًا، فَصَدَّقَه مَنْ صَدَّقَه، ثمَّ قَامَ بِمَهَمَّتِه الدَّنِيئةِ الَّتي كَانَ يَهْدِف إِلَيها وهِي تَحْريفُ دِينِ الْمَسِيح، بِإِدْخَال مَا ليْسَ مِنْه فِيهَا، فَاخْتِرع عَقِيدَة أنَّ الْمَسِيح ابنُ اللهِ، ثمَّ عَقِيدة الْخَطِيئة الأُولى، ثمَّ عَقِيدَة الفِدَاء، فَقَامَ في وجْهِه كَثِير مِن أَتْبَاع الْمَسِيح، يَدلُّ لِهَذَا مَا قَالَ بُولِس عَنْ نَفْسِه كَمَا في «تيموثاوس الأَوْلَى» (15:1): «أَنْتَ تَعْلمُ هَذَا أنَّ جَمِيع الَّذِين في آسيا ارْتَدُّوا عَنِّي».


وقَالَ فِيهَا -أَيْضًا- (16:4): «في احْتِجَاجِي الأوَّل لمْ يَحْضُر أَحَدٌ مَعِي، بَلِ الْجَمِيع تَرَكُونِي».

المراجع

  1. تقدم التعريف به
  2.  كتاب «حياة الحقائق» (ص63).
  3. كتاب «حياة الحقائق» (ص187).
  4. مايكل هارت، فيزيائي فلكي يهودي أمريكي، ولد سنة (1932)، وهو صاحب كتاب «الخالدون المئة» الذي نقلنا منه كلامه، والاسم الأصلي للكتاب بالإنجليزية:
    «The 100: A Ranking of the Most Influential Persons in History». وفي هذا الكتاب رتَّب مايكل أسماء أكثر الشخصيات تأثيرًا في التاريخ بحسب عَظمة التأثير، وقد جعل على رأس قائمة المؤثرين في المرتبة الأولى شخصية النبي محمد H، وقد ضمت قائمته أسماء أنبياء كعيسى وموسى ڽ، كما ضمت أسماء مؤسسي الديانات الوضعية ومبتكري أبرز الاختراعات والاكتشافات التي غيرت مسار التاريخ، مثل مكتشف الكهرباء ومخترع الطائرة وآلة الطباعة، وأيضًا أسماء كثير من المفكرين وغيرهم. انظر ترجمته في: Wikipedia.
  5. From: "The 100, a Ranking of the Most Influential Persons in History", by Michael H. Hart.
السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ تابع للنقطة السادسة من الادلة التاريخية علي مقولة (ان المسيح رب)

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day