النقطة السادسة من الادلة التاريخية علي مقولة (ان المسيح رب)


ماجد بن سليمان

النقطة السادسة من الادلة التاريخية علي مقولة (ان المسيح رب)

النُّقْطة السَّادِسَة: إثْباتُ كَذِب بُولِس فِي دَعْواه أنَّ الْمَسِيح أَرْسَله وغَيْرها مِنَ الدَّعَاوى يَتَّضِح فِي تِسْعِ نِقَاطٍ:


1-  أنَّ بُولِس غَيَّرَ اسْمَه مِن شَاول إِلى بُولِس الرَّسُول، فَلِمَاذَا هَذَا التَّغْييرِ؟!
2-  لوْ كَانَ بُولِس رَسُولًا فِعْلًا لأَكْمَل مَسْيرَةَ الْمَسِيح الْعِلْمِيَّة كَمَا هِي، ولَعَلَّم النَّاسَ التَّورَاة والإِنْجِيل كَمَا كَان الْمَسِيح يَفْعلُ ولمْ يَأْتِ بِشَيءٍ جَديدٍ، ولَكِنَّ الْواقِع أنَّه أَتَى بِشَرَائِع جَدِيدةٍ وعَقَائِدَ جَدِيدةٍ تُخَالِف تَعَالِيمَ الْمَسِيح، وهِي (ربوبية المسيح، بُـنُـوَّة الْمَسِيح للهِ، أُلوهِيَّة الْمَسِيح، دَعْواه أنَّ الْمَسِيح أَرْسَلَه، إِلغَاءُ النُّبُوة عَنِ الْمَسِيح، الْمَعْصِية الأُولى، الصَّلْب). 


فَهَذَا يَدلُّ عَلى أنَّ بُولِس كَاذِبٌ في دَعْواه أنَّه رَسُولٌ مِنْ عِندِ الْمَسِيح، لأنَّه نَقضَ مَا قَرَّرَه الْمَسِيح جُمْلةً وتَفْصيلًا، فَكَيفَ يَكُون رَسُولًا مِن عِنْدِه، وهو يَهْدِمُ ويَنْقضُ مَا جَاءَ بِه؟!
ولَكِنَّ الْحَقَّ أنَّ الْمَسِيحَ لمْ يُـبَـشِّر ببولس، وهَذِه الأَنَاجِيل الأَرْبَعة الَّتي كَتَبَهَا مَنْ جَاءَ بَعْد الْمَسِيح شَاهِدةً عَلَى ذَلِك، وقَدْ وَرَدَ في «إنْجِيل مَتَّى» ثَلاثَةُ نَصُوصٍ عَنِ الْمَسِيح في التَّحْذِير مِنَ الَّذِين سَيدَّعُون النُّبوةَ بَعْدَه، انْظُر «إنْجِيل مَتَّى» (7/15، 16، 24/11، 24/4-5).

 فَائِدة

الأَنَاجِيل تُبَشِّر بِالنَّبيِّ الْحَقِيقيِّ وهُو مُحمَّدٌ، نَبيُّ الإِسْلامِ، والبِشَارَات بِقُدومِه مَدوَّنَةٌ فِيهَا وفي غَيْرِهَا مِنَ الْمَرَاجِع الإِنْجِيليَّة، والَّتي تَحْوي مَا يَقْرُب مِنَ الثَّلاثِين بِشَارةً(1).
3-  لوْ كَان مَا قَالَه بُولِس حقًّا مِنْ أَنَّ الْمَسِيحَ ابنُ اللهِ لأَخْبرَ بِذَلِك الْمَسِيحُ نفسه، فَهُو أَوْلَى بِذَلِك مِنَ بُولِس، لأنَّه شَرَفٌ لهُ لوْ كانَ حقًّا، ولأنَّ الْمَسِيحَ لم ولنْ يَكْتُم الْحَقِيقَة عَنِ النَّاسِ، ويَدَعَهَا لِمَن بَعْدَهُ، لا سِيَّمَا وقدْ جَاءَ الْمَسِيحُ لِهدَايَة النَّاس وإرْشَادِهم.
4-  الْمَسِيح رَسولٌ مِن اللهِ، وبِنَاءً عَلَيه فَإِنَّه لَيْسَ لَدَيه الصَّلاحِيَّة ولا القُدْرَة عَلَى أنْ يُـعَـيِّـن أَحَدًا مِنْ عِندِ نَفْسِه، لأنَّ اخْتِيارَ الأَنْبِياء يَكُونُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، ولَيْسَ مِنْ عِنْد الرَّسُول، فَاللهُ يَصْطَفِي ويَخْتَار مِنَ النَّاسِ رُسُلًا كَمَا يَشَاءُ، وإلَّا فَمَا مَكَانةُ الرَّبِّ إذَن؟!
وبَناءً عَليهِ فَادِّعَاءُ بُولِس أنَّه رَسُولٌ مِنْ عِندِ الْمَسِيح هُو مَحضُ اخْتِلاقٍ وافْتراء.
5-  الرسل همْ صَفْوةُ النَّاسِ وخِيَارُهم، فَالْمَسِيح مِنْ أُمٍّ طَاهرةٍ تَقيَّةٍ نَقِيَّةٍ، وهِي مَريمُ بِنتُ عِمْرَانَ، وعِمْرانُ مِنْ أَهلِ الْعِبَادَة والْخَيرِ والصَّلاحِ، ونَسبُهمْ يَنْتَهي إِلى إسْرَائِيل (يَعْقُوبَ)، نَبيًّا مِنَ الصَّالِحين.


أمَّا بُولِس فَهُو رَجلٌ ولَغَت يَدُه في دِمَاءِ أَهْلِ الْخَيرِ، وسَجَنَهُم وعَذَّبَهُم، فَأَينَ هُو والرسالة؟!

6-  مِمَّا يَدلُّ عَلى كذب بُولِس في دعواه أنَّه رَسُولٌ هُو خُبْثُ شَخْصِيَّته، فَالْغَايةُ عِنْدَه تُبَرِّر الْوسِيلَة، فَلأجْلِ تَحْقِيق غَايَتِه فَإِنَّه يَفْعَلُ أيَّ شَيءٍ، وهَذِه الشَّخْصِيَّة الانْتَهَازِيَّة لَيْسَت شَخْصِيَّةَ نَبيٍّ، حَاشَاهُم مِنْ ذَلِك، فَإِنَّ الأَنْبِياءَ هُمْ أَزْكَى النَّاس نُفُوسًا وأَطْهرُهَا، وقَدْ فَضَحَ بُولِس نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ في رِسَالَتِه الأُولَى إِلَى أَهْلِ كورنثوس، (9/19- 23) حيث قال:
«فإنِّي إذْ كُنْت حرًّا مِنَ الْجَمِيع، اسْتَعْبَدتُ نَفْسِي للْجَمِيع، لأَرْبَح الأَكْثَرِين.
فِصرْتُ للْيَهُودِ كَيَهُودِي، لأَرْبَحَ الْيَهُودَ. وللَّذِين تَحْتَ النَّامُوس(2) كَأنِّي تَحْتَ النَّامُوس، لأَرْبَح الَّذِين تَحْت النَّامُوس.
وللَّذِين بِلا نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلا نَامُوسٍ -مَعَ أنِّي لَسْتُ بِلا نَامُوسٍ للهِ، بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ للْمَسِيح- لأَرْبَحَ الَّذِين بِلا نَامُوسٍ.
صِرتُ للضُّعَفاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبحَ الضُّعَفَاء. صِرتُ للْكُلِّ كلَّ شَيءٍ، لأخَلِّصَ عَلى كُلِّ حَالٍ قومًا.
وهَذَا أنَا أَفْعَله لأَجْلِ الإِنْجِيل، لأَكُونَ شَرِيكًا فِيه».
انْتَهَى كَلامُه.


التَّعْلِيق

هَلْ يَلِيقُ هَذَا الْكَلامُ بِـرسولٍ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ (الله)؟!
أمْ أنَّهُ يَلِيقُ بِشَخْصٍ انْتِهَازِيٍّ مِنَ الطِّرَاز الأَوَّل؟!
لقد صرَّح بأنه يتلوَّن بحسب المصلحة ليربحها!
فالذين يؤمنون بالتوراة يتظاهر بأنه معهم ليربحهم، والذين لا يؤمنون بها يتظاهر بأنه ليس معهم ليربحهم!
7-  ومِنْ دَلائِل كَذِب بُولِس أنَّ دَعْوةَ الْمَسِيح كَانَتْ مُوجَّهةً إِلَى بَني إسْرَائِيل فَقَط، أمَّا بُولِس فَوسَّع الدَّائِرة مِنْ عِندِ نَفْسِه، ودَعَا الْوثَنِيينَ الرومان إِلى دِينِه الَّذِي أَنْشَأَهُ، فزعَم أنَّ دِينَ الْمَسِيح عَالَمِيٌّ للنَّاس كُلِّهم لَيَدْخُلوا فِيه، فَفِي «إنْجِيل مَتَّى» (15/24) أنَّ يَسُوع قَال: «لَمْ أُرْسَلْ إِلَّا إِلَى خِرافِ بَيْتِ إسْرَائِيلَ الضَّالَّة».
بَيْنَما في «أَعْمَال الرُّسُل» (22/21) ادَّعى بولس أنَّ اللهَ قَالَ له: «اذْهَب، فَإِنِّي سَأُرْسِلُك إِلَى الأُمَمِ بَعِيدًا».
فَانْظُر أَيُّهَا العَاقِل إِلَى الْفَرْقِ بَيْن كَلامِ يَسُوع الرسول الْحَقِيقي، وبَين كلام بُولِس، الرسول الكذاب.
فَتَبيَّن مِنْ هَذَا إفْكُ بُولِس وافْتِرَاؤُه.
8- وممَّا يَدلُّ عَلَى غِشِّ بُولِس وتَحْرِيفِه لِدِين الْمَسِيح أنَّه قَامَ بِإِجْرَاء تَنَازُلاتٍ دِينِيَّة عَدِيدةٍ بِإِلْغَاء تَعَالِيم مَذْكُورَة في شَرِيعَة التَّوْرَاة تَدْرِيجيًّا، لِـيُـرَغِّبَ الْمَدْعُوين الْجُدُد -وهُم اْلوثَنِيُّون الرُّومَان- في الدُّخُول في دِيْنِه، حتَّى لا يَشُقَّ عَلَيْهِم الدُّخُولُ فِيه، فَبَدَأَ بِإِلْغَاء شَرِيعَةِ الْخِتَان عَنِ الْوثَنِيينَ الذُّكُور كَمَا في رِسَالَتِه إِلى أَهْلِ غلاطية (6/15)، وحَـلَّل للْيَهُود أَكْل ذَبَائِح الْوثَنِيينَ، وأْكْلَ لَحْمِ الْخِنْزِير، وحلَّل الزَّواجَ الْمُخْتَلِط بَينَ الْيَهُود والْوثَنِيينَ، وأَلْغَى جَمِيعَ أَنْواع الطَّهَارَة الْجَسَدِيَّة الَّتي تَتَشَدَّد بِهَا التَّورَاة، كُلُّ هَذَا مِن أَجْل أَنْ يَسْتَمِيل الرُّومَان للدُّخُول في الدِّينِ الْجَدِيد الَّذِي قَدَّمَه لَهُم، وذَلِكَ أَنَّ نُفُوسَهم غَيْرُ قَابِلَةٍ للانْقِياد لِشَرَائِع سِمَاويَّةٍ، فَهُم وثَنَيُّون، عُـبَّاد أَصْنَامٍ، لا يُحِـلُّون حَلالًا ولا يُحرِّمون حَرامًا، ولَا يُؤمِنُون بِأَنْبِياءَ، فَأَسْقَط عَنْهُم شَرِيعةَ التَّورَاة حتَّى يُـرَغِّبهم في الدُّخُول في دِينِه!


وبُولِس بِهَذَا التَّصَرُّف جَعَلَ نَفْسَه ربًّا، يُـشَـرِّع مَا شَاءَ مِنَ الشَّرَائِع، ويُسْقِط مَا شَاء، ولَيْسَ فَقَطْ نبيًّا كَمَا زَعَم، إذْ إنَّ التَّحْريمَ والتَّحْليلَ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ ولَيسَ مِنْ عِنْد الرَّسُول، لأنَّ الرَّسُول وظَيفَتُه تَبْلِيغُ الشَّرِيعَة عَنِ الرَّبِّ، ولَيْسَ إنْشَاء شَريعةٍ جَدِيدةٍ، أو التَّصَرُّف بِشَرِيعةٍ قَائِمَةٍ كَمَا فَعَلَ هو.


ثمَّ جَاءَتِ الْخُطْوة الثَّانِية الْكَبِيرة فَأَلْغَى هَذَا الْخَبِيثُ مَا تَبَقَّى مِنَ التَّورَاة، لِكَي يُزِيلَ هَذِه الْعَقَبةَ الْكَئُود مِنْ أَمَامِ الْوثَنِيِّينَ للدُّخُول في دِينِه الَّذِي اخْتَرَعَه لَهُم عَلَى أَنْقَاض دِينِ الْمَسِيح، فَقَد قَالَ في رِسَالَتِه إِلَى أَهْلِ رُومَا (7/6):

«وأمَّا الآنَ فَقَدْ تَحَرَّرْنا مِنَ النَّامُوسِ(3)، إذْ مَاتَ الَّذِي كُنَّا مُمْسِكِين فِيه، حتَّى نَعْبدَ بِـجِـدَّة الرُّوح لا بِعِتْقِ الحَرْفِ.
فَمَاذَا نَقُول؟ هَلِ النَّامُوس خَطِيَّةٌ؟ حَاشَا، بَل لمْ أَعْرِف الْخَطِيَّةَ إلَّا بِالنَّامُوس».


التَّعْلِيق

كَمَا تَرى أَيُّها القَارِئ الكَرِيم وأَيَّتُها القَارِئة الكَرِيمة، فَإِنَّ بُولِس لمْ يَكْتَفِ بِإِلْغَاءِ التَّورَاة، بَل اتَّهَمَهَا بِأَنَّهَا هِي مَصدرُ مَعْرفةِ الْخَطَأِ والزَّلَل، كَمَا في قَوْلِه: (لمْ أَعْرفِ الْخَطِيَّةَ إلَّا بِالنَّامُوس).
9-  ومِنْ أَعْظَم الأَدِلَّة عَلَى غِشِّ بُولِس للنَّاسِ أنَّ إِلْغَاءَهُ للتَّورَاة مُنَاقِضٌ للْغَايَة الَّتي جَاءَ الْمَسِيح مِنْ أَجْلِهَا، فَقَدْ قَالَ الْمَسِيحُ إنَّه لمْ يَأْتِ ليُلْغِي التَّورَاة، بَلْ جَاء لـيُـتَـمِّم ويُـكْمِل، كَمَا جَاءَ في «إنْجِيل مَتَّى» (5/17-19) أنَّ الْمَسِيح قَالَ: 
«لا تَظَنُّوا أنِّي جِئتُ لأنْقُضَ النَّامُوسَ أو الأَنْبِياء، مَا جِئتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكْمِل. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُول لَكُم: إِلى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ والأَرْضُ، لا يَزُول حَرفٌ وَاحدٌ أوْ نُقطَةٌ واحِدَةٌ مِنَ النَّامُوس حتَّى يَكُونَ الكُلُّ. فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هَذِه الْوصَايَا الصُّغْرَى وعَلَّم النَّاسَ هَكَذَا يُدْعَى أَصْغَرَ في مَلَكُوت السَّمَاوات، وأمَّا مَنْ عَمِل وعلَّم فَهَذا يُدْعَى عَظِيمًا في مَلَكُوت السَّمَاوات».


فإذَا كَانَ الْمَسِيح قَدْ حَذَّر مِنْ مُجَرَّد تَحْرِيفِ حَرْفٍ أوْ نُقْطَةٍ في التَّورَاة والإِنْجِيل، وقَالَ: إنَّ مَنْ فَعَل هَذَا فَإِنَّه يُدْعى أَصْغَرَ في مَلَكُوت السَّمَاواتِ والأَرْض، فَمَاذَا يُقَال فِي حَقِّ بُولِس الَّذِي أَسْقَطَ التَّورَاة برُمَّـتِها؟!


إنَّ إِلْغَاء بُولِس للتَّورَاة بِحَدِّ ذَاتِه يُعْتَبر جِنَايةً عَظِيمةً عَلى دِينِ الْمَسِيح، ودَلِيلًا عَظِيمًا عَلَى كَذِب بُولِس، فَلَيت جُمْهُور الْقَسَاوِسَة يَعْلَمُون ذَلِك ويُـعَـلِّمونه للنَّاسِ بَدلًا مِنْ تَقْلِيد مَنْ سَبَقَهُم مِنَ القَسَاوسِة، وإضْلال مَنْ تَبِعَهُم مِن النَّاسِ (الرَّعِيَّة)، فَإِنَّ هَذَا لَا يَحْصُل بِه إلَّا الزِّيَادَة في الإِثْمِ والْعَذَاب عَلَيْهِم جَميعًا يَومَ الْقِيامَة.

المراجع

  1. انظر هذه الأدلة الإنجيلية في كتاب: .«The amazing prophecies of Muhammad in the Bible» وهذا الكتاب منشور بهذا العنوان في شبكة المعلومات.
  2. وانظر أيضًا: كتاب «البشارات العجاب في صحف أهل الكتاب» (99 دليلًا على وجود النبي المُبَشَّر به في التوراة والإنجيل)، تأليف د. صلاح الراشد، الناشر: دار ابن حزم - بيروت.
  3. الناموس: هو التوراة وشرائعها

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ النقطة السادسة من الادلة التاريخية علي مقولة (ان المسيح رب)

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day