فضل الاستغفار (4)


عزيز بن فرحان العنزي

رابعًا- أنَّ الاستغفار أساس العبودية ورُوحها :

لأنَّ المستغفِر إنما يُظهر كمال ذُلِّه وافتقاره وخضوعه بين يدي مولاه، لعلمه أنه وحده الخالق المتفرد والمستحق للعبادة، وأنه بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، وأنه لا يغفر الذنوب إلا هو، ولا يقبل العثرات، ويغفر الزلات ويتجاوز عن الخطيئات إلا هو،

فهنا لا يتوكل العبد إلا عليه، ولا يرجو أحدًا سواه، ولا يسأل غيره ولا يستعين إلا به،

فهاجسه الذي يُقلقه على الدوام: طلب رضا الله وعفوه، فهو في كلِّ لحظة يستشعر افتقاره إلى ربه وحاجته إليه،

ومن يحمل مثل هذا الأمر يكون قد نجا بإذن الله تعالى من الأمن من مكر الله، ومن القنوط من رحمته، لأنَّ غير المستغفر أحد رجلين: إما أنه آمن من مكر الله، ( فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) [الأعراف: 99]. وإما أنه قانط من رحمة الله ( وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ) [الحجر: 56].

قال ابن القيم: " أساس كلِّ خير أن تعلم أنَّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؛ فتيقن حينئذ أنَّ الحسنات من نعمه فتشكره عليها وتتضرع إليه ألاَّ يقطعها عنك، وأنَّ السيئات من خذلانه وعقوبته فتبتهل إليه أن يحول بينك وبينها، ولا يكلك في فعل الحسنات وترك السيئات إلى نفسك، وقد أجمع العارفون على أنَّ كلِّ خير فأصله بتوفيق الله للعبد، وكل شرٍّ فأصله خذلانه لعبده،

وأجمعـوا أنَّ التوفيق: ألاَّ يكلك الله إلى نفسك، وأنَّ الخذلان هو أن يُخلي بينك وبين نفسك، فإذا كان كل خير، فأصلـه التوفيق، وهو بيد الله لا بيد العبد، فمفتاحه الدعـاء، والافتقار وصدق اللجوء والرغبة والرهبة إليه، فمتى أَعطى العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يُفتح له، ومتى أضله عن المفتاح بقي باب الخير مرتجًّا دونه".

قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: "إني لا أحمل همَّ الإجابة ولكن همَّ الدعاء، فإذا أُلهمت الدعاء فإنَّ الإجابة معه".

وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده، ورغبته في ذلك يكون توفيقه سبحانه وإعانته، فالمعونة من الله على قدر هممهم وثباتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك،

فالله سبحانه أحكم الحاكمين، وأعلم العالمين، يضع التوفيق في مواضعه اللائقة به والخذلان في مواضعه اللائقة به، هو العليم الحكيم،

وما أُتي من أُتي إلاَّ من قِبل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء، ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه إلاَّ بقيامه بالشكر، وصدق الافتقار والدعاء... " (الفوائد 127-128).    

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ فضل الاستغفار (4)

  • التسبيح و الاستغفار

    عبد العزيز الطريفي

    أكثر الأذكار التي كان النبي ﷺ يقولها كل يوم ( التسبيح ) و ( الاستغفار ) ؛ لأنّ التسبيح تعظيم لله ، و ⁧‫الاستغفار‬⁩

    09/06/2019 2203
  • ​حقيقة الاستغفار

    إسلام ويب

    الاستغفار استفعال.. وهو طلب الغفران من الله باللسان مع التوبة بالقلب، إذ الاستغفار باللسان دون التوبة بالقلب غير

    17/10/2021 993
  • أكثروا من الاستغفار

    الشيخ صالح العُصيمي

    أكثروا من الاستغفار؛ فإنَّه حجابٌ من النَّار، به ينجو العبد من لظاها، ويتباعد عن سناها، رُبَّ استغفارةٍ أُجيب

    14/11/2023 214
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day