عجز الداروينيين عن تفسير كيفية نشوء حاسة الشم


فريق عمل الموقع

المقال مترجم الى : English Deutsch

من المعروف أن نظرية التطور طرحت أول مرة في أواسط القرن التاسع عشر ومنذ ذلك التاريخ كان لهذه النظرية مستند وحيد تستند إليه في إثبات نفسها وهوالتشبث بأهداب بالعلم فيما تتدعيه، والحكاية الملفقة التي دعت إليها هذه النظرية أي حكاية النشوء والارتقاء كانت دائما وأبدا تستند إلى هذا السند الوهمي، وكان الاتجاه العام يتسم بالإلحاح والتكرار إلى درجة جعلت البعض من الباحثين في الأوساط العلمية يعتقد في إمكانية صحة ادعاءات هذه النظرية فضلا عن بدء اقتناع البعيدين عن الأوساط العلمية بهذه الادعاءات، ولم يكن ما دعت إليه هذه النظرية قائما على أدلة علمية يمكن الأخذ بها بل هي مجرد سيناريوهات خيالية مزينة ومطعمة بكم هائل من المصطلحات العلمية للتمويه وشد الأنظار، ولكن دعاة نظرية التطور يقفون في أحيان عديدة في حيرة أمام بعض المواضيع المستعصية التي يصعب عليهم تفسيرها.

ومن هذه المواضيع قوة إحساس المخ والذاكرة وما شابه ذلك من مواضيع يقف الداروينيون أمامها مشلولين وعاجزين عن تفسيرها، وهم في هذا عادة ما يستنجدون بفكرة الفترات البينية التطورية الخيالية التي يتمسكون بها بشدة، غير أنهم كثيرا ما يصطدمون بمسألة شائكة، هي مسألة، فهذه الكلمة تسبح في عالم غير مرئي أوميتافيزيقي أو ما وراء المنطق إن صح التعبير والداروينيون أعجز من أن يجدوا تفسيرا لمثل هذه المفاهيم.

وبسبب هذا العجز الفاضح تتمسك الدوريات التي تنشرها الأوساط الداروينية في تفسيرها لتلك المواضيع المستعصية بالعبارة الطويلة الآتية: "عندما أكمل المخ تطوره بمرور الزمن وبدأ في الإحساس", أو العبارة الآتية: "عندما أكمل الأنف تطوره وبدأ بتحسّس الروائح", إلا أن هذه الدوريات يستحيل عليها أن تحمل في صفحاتها أي دليل علمي أو كشف يثبت صحة هذه الادعاءت الخيالية، وهؤلاء يعلمون جيدا أنهم عاجزرن عجزا كاملا في هذه المواضيع المستعصية، ولهذا السبب يتبعون أحد سبيلين: طرح سيناريوهات خيالية دون أي شعور بالحياء، أو الصمت المطبق حيال تلك المواضيع وعدم التطرق إليها على الإطلاق.

وحاسة الشم التي اطلعنا على أجزائها ووظائف تلك الأجزاء والكيفية التي تؤدي بها هذه الوظائف بتناسق وانسجام غاية في الدقة هي من المواضيع التي تحير دعاة التطور ويقفون أمامها عاجزين لأنّ حاسة الشم تظهر لنا من خلال خصائصها المذهلة أن ثمة قدرة لا متناهية استطاعت أن تصمم هذه المعجزات،

ولا شك أن صاحب هذه القدرة اللامتناهية هو الله رب العالمين، فجميع الأبحاث التي أجريت تمخضت عنها أدلة علمية باهرة تثبت أن الكون بكل تعقيداته يحكمه نظام دقيق وتوازن خارق.

إن الداروينيين يدركون وجود هذه الحقيقة الدامغة أمامهم، ولكنهم يغمضون عيونهم عنها حتى يروجوا فقط لمبادئهم الإلحادية الرافضة لوجود الله تعالى. ولا يوجد تفسير آخر لتشبثهم بتلك التلفيقات والسيناريوهات الخيالية. وبسبب هذا التشبث الأعمى عجزت نظرية التطور عن إيجاد تفسير لكيفية وجود الآليات الحياتية، ولم تتجاوز كونها نظرية سيقت لتكذيب الحقائق العلمية الثابتة. ولهذا فإنها تعتبر نظرية جوفاء خالية من أية روح علمية منطقية. وسوف نتناول في هذا الباب الأجوبة التي ساقها العلم الحديث للرد على الادعاءات التي تشبث بها دعاة نظرية التطور.

سيناريوهات دعاة التطور بشأن حاسة الشم

تتناول مؤلفات الباحثين الداروينيين حاسة الشم بالتفصيل، ومن تبين أنّ الأعضاء الجسمية ظهرت نتيجة التطور عبر الزمن، والقناعة المشتركة التي تجمع بين دعاة التطور هو أن حاسة الشم ظهرت وتطورت قبل باقي الحواس،

وقد كانت في البداية ذات أشكال بدائية ثم تطورت وأخذت شكلها الذي هي عليه، أي أن الأعضاء والحواس تتطور وتأخذ شكلها المتقدم كلما دعت الحاجة إلى ذلك. ومثل هذا الإدعاء لا أساس علمي له أبدا، وهو ادعاء يرد في المؤلفات الداروينية كما يلي:

"إنّ أي تأثير عشوائي يأتي من المحيط الخارجي يؤدي إلى حدوث تغيير في أوضاع الكائنات الحية(...)، وكل سبب يؤدي إلى نتيجة، ولابدّ أن تكون النتيجة حاملة لمعلومات تتعلق بالسبب المؤث، و بهذا الشكل فإن ظاهرة تطور الأحياء تمتلك خصائص ومميزات لا يمكن تصورها تجعل الكائنات تتطور بهذا الانسجام والتناسق، وهي ظاهرة يمكن القول أنها علاقة بسيطة بين الأحياء وبين إرادة البقاء على الحياة وحسب الوضع السائد. والهدف من هذه العلاقة منح الكائن الحي فرصة البقاء، وهي علاقة مهما بدت بسيطة فإنها تبهر العقول وتحيرها"92.

مثل هذه العبارات ترد كثيرا في تلك المؤلفات، بيد أنها تفتقد إلى الدليل والإثبات العلمي وحتى إلى النتائج المختبرية التجريبية، وهي لا تعدو كونها عبارات صيغت لترسيخ فكرة المصادفة التي يؤمن بها أصحابها ويروجون لها. والفكرة القائلة بأن حاسة الشم كانت بمثابة الحاسة الأولى أو البدائية للأحياء تعكس وجهة نظر هؤلاء ومنطقهم في التفكير العلمي. الفكرة الأساسية التي يتشبثون بها لتبرير وجهة نظرهم تلك تتلخص في كون الحواس مثل السمع والبصر ذات تراكيب معقدة وتفاصيل كثيرة، وأن عملية التطور بدأت من "البسيط نحو المعقد". ويبين الداروينيون وجهة نظرهم هذه من خلال العبارات التالية:

"إنّ حاسة الشم لدى الإنسان ذات أهمية كبيرة لا تقل عن أهميتها لدى الحيوانات، وهي أقدم حاسة من وجهة نظر تطورية"93.

"ونظرا إلى وجود علاقة بين الجهاز الشمي وبين تطور المخ وأقسام العقل الباطني فغالبا ما تعرّف حاسة الشم على أنها من أقدم الحواس للكائن الحي"94.

"ومن الناحية التطورية تعتبر حاسة الشم أقدم من حاستي السمع والبصر95".

ومن المفيد هنا أن نذكر بأن أصحاب مثل هذه العبارات هم أولئك الذين يعرفون جيدا تفاصيل أجزاء حاسة الشم وكيفية أدائها لوظائفها، ومن المستحيل أن يكونوا على جهل بمدى التعقيد الذي تتسم به تلك التفاصيل وطبيعة الأداء المتقن والمتكامل لتلك الأجزاء. وبالرغم من هذا التعقيد والإتقان لا يزال هؤلاء يستخدمون كلمة "البدائي" بحق حاسة الشم لأنّ هذه الكلمة تساعدهم في تبرير حدوث المصادفة التي يروّجون لها، وهم من ناحية أخرى يعجزون تماما عن تفسير كيفية ظهور مثل هذه الأجهزة المعقدة بمحض المصادفات، ولكنهم يعتقدون أن فكرة المصادفة في ظهور الأحياء أو أعضائها الجسمية تعد فكرة مقبولة في تفسير ظهور بناء حي بسيط.

ولكن ماهو الدليل العلمي الذي يستند إليه هؤلاء الداروينيون في إيمانهم القطعي بتلك الفكرة؟ كيف تسنى ظهور "حاسة الشم اقصلبدائية" ضمن ذلك العالم البدائي الذي يتخيلونه؟ عند النظر في الإجابات التي يقدمها هؤلاء على هذا السؤال نجد عندهم الإجابات الآتية:

"كان هناك كائن حي بدائي أحادي الخلية عاش في المحيطات القديمة قبل ثلاثة مليارات من السنين، هذا الكائن الحي البدائي كان يفرز مواد كيمياوية عضوية أثناء ممارسة فعالياته الحيوية اليومية، وهذه المواد الكيمياوية التي أفرزها ذلك الكائن الحي الصغير جدا كانت قد تركت آثارا هنا وهناك وهي الآثار التي أحس بها حيوان مفترس وهذا الحيوان تتبع هذه الآثار حتى توصل إلى مصدرها، ومن ثم افترسه ليستقر في معدته. وبهذا الشكل بدأت الرحلة التطورية الطويلة للروائح. ويوضح البروفسور جون كابيرو الباحث في جامعة ولاية لويزيانا أن حاسة الشم تطورت أول ما تطورت لتحديد ماهية المواد الشبيهة بالحوامض الأمينية والتي لها قابلية الذوبان في الماء، أما تحديد ماهية الجزيئات الطيارة في الهواء فكان شكلا من أشكال التكيف الذي طرأ على الآليات الأصلية لحاسة الشم"96.

إنّ الكلام السابق لو بدأ بـ"كان ياما كان" لما اعترض عليه أحد لأنه ورد في قالب قصصي بحت، ولكن هذه الكلام القصصي ورد في دورية تدعي بأنها علمية وتؤمن بنظرية التطور وتروج لها.

(وَسَخَّرَ لَكُم مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ جَمِيعًا مِنهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة الجاثية-الآية 13

وذلك الكلام يعكس أيضا كيفية تفكير دعاة التطور والأدوات الفكرية التي يستخدمونها في الترويح لما يدعون إليه. و بالرغم من لا منطقية مثل هذه الأفكار والآراء فإن أصحابها يروجون لها على أساس أنها آراء علمية لا غبار عليها. والأسلوب الأمثل لمجابهة هذه الدعاوي الباطلة يتمثل في نشر الحقائق العلمية الصادقة.

وملخص ما رمى إليه كابريو ذلك الباحث الدارويني هو ما يلي: إنّ الكائنات الحية أحادية الخلية بثت هنا وهناك -ودون قصد -مواد كيمياوية مختلفة، وهذه المواد تم تحسسها من قبل حيوانات مفترسة. وكان من نتيجة هذا التحسس اصطياد الكائن الحي أحادي الخلية من قبل تلك الحيوانات المفترسة. وهذه النظرية إلى جانب بعدها عن المنطق بدرجة واضحة جدا، فإنها لا تسوق أية أجوبة على الأسئلة المتعلقة بكيفية نشوء الروائح. وهي أيضا لا تورد أية معلومات حول الحواس التي ساعدت الحيوانات المفترسة في التوصل إلى مكان الأحياء أحادية الخلية وافتراسها، وهي لا تتضمن شيئا عن كيفية نشوء حاسة الشم التي استخدمتها الحيوانات المفترسة في الاهتداء إلى مكان الفريسة بواسطة روائحها. ولم تورد النظرية أيضا أية ادعاءات عن الآليات التطورية التي يفترض أنها لعبت دورا أساسيا في نشوء هذا النظام الحياتي المعقد ذي الآليات المتعددة والمتنوعة.

ودعاة التطور غالبا ما يتجنبون الخوض في مثل هذه التفاصيل لأن تفسيرهم الوحيد الذي يتشبثون به دائما يتلخص في كلمة واحدة وهي: المصادفات.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ عجز الداروينيين عن تفسير كيفية نشوء حاسة الشم

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day